توبكُتّاب وآراء

الإعلامية الجزائرية كريمة الشامي تكتب لـ «30 يوم» : من قوارب الغرق إلى ضفاف الأمل

السلاطين الذين حوّلوا الأوطان إلى فنادق باردة الأرواح، لا يملكون الحقّ أن يسألوا الزبائن: متى ترحلون؟!

يعتصرني الألم وأنا أرى شباب أمّتي، بل كهولها وشيوخها أيضًا، يشدّون الرحال نحو المجهول، مبحرين في قوارب بالية لا تليق بحلم ولا بإنسان، في رحلة محفوفة بالموت أكثر مما هي محمّلة بالرجاء.

إنها هجرة قسرية بلا عودة، هروب جماعي لا يفرّق بين عمر وجنس، وكأن الضفة الأخرى صارت قدرًا وحيدًا في أذهانهم، بعدما ضاقت بهم ضفة الوطن.

أيّ قسوة هذه التي تدفع شابًا في مقتبل عمره، أو عجوزًا أثقلته السنين، ليجازف بروحه فوق موج البحر العات؟ أيّ حالٍ تلك التي تجعل المواطن يقايض الغرق بمقامٍ بائس في “فندق السلطان”؟!

الحكاية ليست في البحث عن جنّة على الضفة الأخرى، فالجنة لا تُصنع في الغربة ولا تُستورد من وراء البحر؛ إنها فقط ثمرة يأس مطلق، بذره حكّام جعلوا من أوطاننا أسواقًا لليأس ومخازن للقنوط.

أوطان أُفرغت من روحها حتى غدت فنادق لا تُقدّم حتى الحدّ الأدنى من الكرامة، فصار المواطن زبونًا فيها، يُسلَّم إيصالًا باسمه، ويُسلب حلمه، ويُخيّر بين موتٍ بطيء على أرضه، أو موتٍ سريع في عرض البحر.

الوطن ليس فندقًا يضمحلّ بغياب نزلائه، الوطن بيتٌ، وروح، وذاكرة.. وإن خان السلطان، فإن البحر لن يكون أرحم، بل سيظل شاهدًا على خيانة مضاعفة: خيانة من دفع الأبناء إلى الغرق، وخيانة من لم يفتح لهم باب الحياة.

ومع ذلك… يبقى الأمل حيًّا في قلوبنا. فالوطن قد يمرض، لكنه لا يموت، والشعوب التي تُجبَر على الرحيل قسرًا قادرة على أن تعود يومًا لتزرع بذور النهضة من جديد.

قد يطول ليل الحكام، لكن شمس الشعوب لا تغيب. وكل سفينة تمضي في البحر، تحمل في صميمها دعاءً بأن نعود يومًا إلى أرضٍ تصان فيها الكرامة ويُعاد للوطن اسمه الحقيقي: بيت لا فندق…!!

 اقرأ أيضا

الإعلامية الجزائرية كريمة الشامي تكتب لـ «30 يوم» : هروبٌ من حبٍ لا يكتمل .. !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى