محمد شكر يكتب لـ « 30 يوم »: قمة الدوحة .. قيادة مصر أو تنصيب إسرائيل حاكماً عسكرياً للشرق الأوسط

هي مرحلة فارقة في حرب الإبادة على غزة، تلك الحرب التي إن لم تشعلها حماس لأشعلها نتنياهو، ليصل إلى مراحلها النهائية، ويفتح المزيد من الجبهات لاختبار صلابة دول المنطقة قبل ان تنقض عليها إسرائيل، فلا منجى لأحد من مخطط وضعه ترامب لتغيير الشرق الأوسط قبل أن تغادره الولايات المتحدة، في رحيل مشروط بتنصيب تل أبيب حاكماً وباباً عاليا للمنطقة، في إعادة تجسيد لسيناريو ميلاد دولة الاحتلال، فكما مهدت بريطانيا الأرض للعصابات اليهودية لقضم الأراضي العربية، بدفع الدول العربية المحتلة للقبول بمبدأ التقسيم وحل الدولتين، ثم مغادرة المنطقة بعد غرس جذور الكيان المحتل، واقتلاع أصحاب الأرض من ترابهم، لتغادر بريطانيا غير مأسوف عليها، بعد أن تسلم الولايات المتحدة حكم العالم، إضافة إلى حبل كلب صيدها في المنطقة، الذي شحذت الولايات المتحدة أنيابه عبر عقود، ليصبح أكثر شراسة وتوحشاً في تحقيق المصالح الأمريكية والإسرائيلية في الشرق الأوسط.
فالحرب على غزة مستمرة لأن ترامب فشل فيما سواها، ودعمه لنتياهو الذي لم يعف بلاده من رسوم جمركية بلغت 14%، لا يزيد عن محاولة لتنفيذ وعوده الانتخابية لجماعات الإيباك اليهودية، التي يريد ان يأمن جانبها مع ما أثاره من أزمات في الداخل الأمريكي، لهذا أعلن ضمنياً عن تبنيه لرواية إسرائيل الكبرى، حتى وإن صمت عن التصريح بها، فهو يرى إسرائيل دولة صغيرة تحتاج إلى المزيد من الأراضي، وكرجل عقارات محترف لا كسياسي يدرك قيمة الأوطان، يدير ترامب الصفقة وينفذ نتنياهو ما طلب منه دون مواربة، فغزة لإسرائيل، وقد لا يمانع في منحه السويداء وجبل الدروز مع تنامي دعاوى الانفصال في سوريا، وفي المقابل تتحول غزة إلى مدينة أو منتجع ترامب، ليستعيد رؤيته لغزة كـ”ريفيرا” صغيرة ستحمل اسمه، بعد أن أفسد بحماقته المشروع الأهم والأخطر بصدامه الجمركي مع الهند، ومنح الصين فوزاً سهلاً في مواجهة امتدت سبعة أشهر، وكادت تقطع مشروع الحزام والطريق، وتنسف تجمع بريكس، ولكن جشعه أسقطه تحت مطارق أعدائه، ليخسر رهاناته الاقتصادية القائمة على الجباية لا الإنتاج، في مواجهة نظام عالمي جديد، دفعت رعونة ترامب أقطابه لتدشينه قبل اكتمال هيكله العالمي.
هو رجل أحمق يتعامل بفوقية الرجل الأبيض، حتى انه يطارد المهاجرين لنسف قوة أمريكا العاملة، رغم أن جده كان أحدهم وعاصر أسوأ مراحل الولايات المتحدة وتخبطها قبل أن تستقر لتبتلع العالم بعدها، لهذا يرى ترامب أن القوة هي معيار التفاوض الوحيد، ولهذا فقط أقحم بلاده في ضرب المنشآت النووية الإيرانية رغم أنه نفي علمه بالضربة الإسرائيلية طمعاً في استكمال المفاوضات، ولكن حماقته تجعله يخسر رهاناته على خصومه، لأنه لا يقدر ردود الفعل، ولا يستمع لمستشاري إدارته، لهذا يفاجئ دائماً بأنه لم يجد الإذعان الذي كان ينتظره، لا من طهران ولا حماس ولا الحوثيين ولا حتى حزب الله اللبناني، فرغم صغر الكيانات الدولية والتنظيمية التي يواجهها، إلا ان عصاه لا ترهب احداً سوى القابضين على عروشهم، حتى هؤلاء لم يعد يرهب الكثير منهم، مع تماديه وتهديد سياساته الداعمة لإسرائيل لاستقرار دول المنطقة.
ولأن الطمع والجشع رفيقا الجبن، فلن تجد ترامب أكثر استعراضاً وإمعاناً في إبراز قدراته التي لا تمت للسياسة بصلة، إلا في حضور بوتين، الذي يرعبه كثيراً ولو ادعى غير ذلك، فالقيصر يحصل على ما يريد من الرجل البرتقالي، وها هو يتلاعب به لأشهر، بعد أن انتزع منه وعداً في مكالمتهما الهاتفية الأولى، بالإبقاء على ما التهمه من الأراضي الأوكرانية إن أوقف الحرب، وحصول بوتين على هذا الوعد، كان كفيلا بدفع القيصر للتخلي عن استراتيجية استنزاف الاتحاد الأوروبي عسكرياً واقتصاديا، التي انتهجها منذ التراجع إلى ما خلف نهر دينبرو، ليعمل على تسريع وتيرة القتال والسيطرة على أراضي إقليم دونباس كاملة، في تنفيذ حرفي لأهداف العملية العسكرية الخاصة التي أطلقها في 2022، بل ويضيف إليها عدة مناطق استحوذ عليها الجيش الروسي في شمال وجنوب أوكرانيا، مثل زاباروجيا، وخاركيف وخيرسون وسومي، والأخيرة المتاخمة لإقليم كورسك الروسي، يمكن التفاوض عليها ثم تركها بسلام، فالقيصر لن يجالس زيلينسكي قبل أن يطهر الشرق الأوكراني من الأوكرانيين، وربما لن يمنحه هذا الشرف أبداً، وترامب لا يجيد أكثر من الضغط على الهند لوقف استيراد النفط الروسي حفظاً لماء الوجه، أو نسف أرباح صادرات نيودلهي للولايات المتحدة بـ50% رسوما جمركية، وهو ما يسهم في تحريض المزيد من الدول للاصطفاف في الجهة المقابلة للولايات المتحدة.
وأزمة غزة الحقيقة تتمثل في كونها مطية ترامب الأضعف، التي يدخرها لتحقيق أي نصر زائف يمكن ان يباهي به، أو يدفعه نحو جائزة نوبل، التي يريدها فقط لإغاظة الرئيس الأسبق باراك أوباما، والتي لن ينالها طالما استمر في إطلاق يد إسرائيل في المنطقة، فالخليج الذي منحه تريليونات الدولارات قبل شهرين، أدرك قيمة المثل العربي “ما حك ظهرك غير ظفرك”، بعد ان تغاضت الدفاعات الأمريكية لقاعدة العديد القطرية، عن فكرة اعتراض صواريخ سلاح الجو الإسرائيلي، لا إسقاط طائرات الـ f-35، التي قصفت موقعاً لا يبعد عن القاعدة التي تضم قيادة القوات الجوية الأمريكية في الشرق الأوسط سوى بضع وعشرين كيلو متراً، وهو ما نسف محاولة التبرير الطفولية لترامب ومن قبله ويتكوف، لضرب الدوحة ومحاولة عدم خسارة صناديقها السيادية، لهذا فقضية غزة ومن بعدها الضفة الغربية في يد ترامب، الذي يريد سحب قواته من الشرق الأوسط بعد تنصيب إسرائيل حاكماً عسكرياً على المنطقة.
والغريب أن موافقات ترامب على منح أسلحة متطورة لحلفاء واشنطن في الخليج، كانت تهدف قبل أشهر إلى تحقيق توازن لا يمنح إسرائيل القدرة على التحليق بعيداً في طموحاتها العسكرية، حتى لا يغادر الخليج شروط التسليح الأمريكية المنحازة لإسرائيل، ويتجه شرقاً لتوفير أسلحة ردع قد تضعف مبيعات الأسلحة الأمريكية، ولكنه عاد وسمح لنتنياهو بتهديد المصالح الأمريكية للمرة الأولى في الفترة الرئاسية الثانية لترامب، لأن نتنياهو من أقنع ترامب بضرب الدوحة، معتقداً أن ردود الفعل على محاولة اغتيال قيادات حماس، لن تختلف عن تلك التي صاحبت اغتيالات جيش الاحتلال لهم ولغيرهم في غزة وإيران ولبنان وسوريا، فترامب قال صراحة أن الحرب لن تقف قبل القضاء على حماس، وبمجرد الإعلان عن هجوم الدوحة لم تتوقف الحرب، بل زادت وتيرتها في تصعيد لا يهدف إلا لتهجير الفلسطينيين.
فالمشهد الإقليمي ليس ملغزاً، ومصر قالت أنها تقرأ كل ما يحاك لها ولأشقائها في المنطقة، ودول الخليج ودعت ترددها وقررت مساندة الجارة الأصغر، والحديث عن حلف عربي بقيادة مصر بات حديثاً جدياً بين الشعوب العربية، مع تداول دعوة أطلقها الرئيس المصري قبل 10 سنوات ولم يستمع إليها أحد سوى الآن، فالقضية الفلسطينية والأمن القومي العربي أصبحا في مهب الريح، ولا فرصة سانحة أقرب من قمة اليوم للاختيار ما بين استقلال وطني، أو الاستسلام للإرهاب الأمريكي، فالقرار في يد الدول العربية، وسواء انتفضوا للكرامة العربية أم لا، فعليهم أن يتأكدوا أن ابتعادهم عن مصر يجعلهم الفريسة والعكس غير صحيح، ومصر استعدت للحرب قبل وقت طويل على الجبهتين الشرقية والجنوبية، ولن تنال إسرائيل او الولايات المتحدة من سيناء، ولن يتمكنا من تهجير الفلسطينيين طالما وقفت دبلوماسية مصر لهما بالمرصاد، فالمعركة لم تعد مع حماس أو إيران، بل أصبحت مع مصر التي خربت كل ما بنته إدارة ترامب، ولم يعد أمام ترامب إلا جني المزيد من الخسائر، بعد أن اعتقد انه لو أطلق يد إسرائيل لتنفيذ مخطط يحتاج إلى سنوات وربما عقود في أشهر قليلة، فقد يتمتع بامتلاك الشرق الأوسط وثرواته، دون إدراك لرد الفعل، فرهانه على نتنياهو لا يزيد عن كونه كلب صيد ينهش فرائسه حتى يلتقطها ترامب من بين أنيابه، ليترك نتنياهو يتحمل وحيدا عبء أداء أعماله القذرة، فإن أفلح مخطط الشرق الأوسط الجديد، ربح كل شيء، وإن خاب مسعى نتنياهو سيسقط وحيداً، بعد أن أسقط بني جلدته تحت أحذية العالم، كنتيجة طبيعية لجرائم الإبادة والتجويع التي كشفت وجه الإرهاب الإسرائيلي بلا أقنعة أمريكية.
اقرأ أيضا
محمد شكر يكتب لـ «30 يوم» : ترامب يكتب نهاية استعراضية لحرب لم يربحها أحد