أخبار العالممنوعات

مبادرة عُمانية جديدة لتمكين وتمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة

مسقط، خاص:
تُشكِّل المؤسَّسات الصغيرة والمتوسِّطة بسلطنة عُمان العمود الفقري للاقتصاد الوطني، فهي منصَّات إنتاجيَّة واجتماعيَّة متكاملة، تحرِّك عجَلة النُّمو وتغذِّي شرايين التَّنمية المستدامة. فهذه المؤسَّسات تفتح أبواب العمل أمام الشَّباب العُماني، وتحفِّز روح الابتكار وريادة الأعمال، كما تمكِّن الاقتصاد من تنويع مصادره وتقليل اعتماده على القِطاعات التقليديَّة، وعلى رأسها النفطيَّة.
وعِندَما وضعتْ رؤية «عُمان 2040» مستهدفاتها في بناء اقتصاد تنافسي قائم على المعرفة، كان ذلك تعبيرًا عن إيمان راسخ بأنَّ النُّمو الحقيقي، يبدأ من تمكين هذه المؤسَّسات لِتكُونَ قادرة على التوسُّع والابتكار والمنافسة إقليميًّا ودوليًّا. إنَّ استثمار الدَّولة في هذا القِطاع يعكس إدراكًا بأنَّ التَّنمية لا تُختصر في المشروعات الكبرى، أو الاستثمارات الضَّخمة، وتمتدُّ لِتشملَ قدرة روَّاد الأعمال على تحويل أفكار بسيطة إلى قِيمة مضافة، وعلى تأسيس مشروعات صغيرة تُسهم في تعزيز المحتوى المحلِّي، وتفتح مسارات جديدة أمام الاقتصاد الوطني لِيتنفسَ بمرونة ويستجيبَ لمتغيِّرات العصر.
وعلى الرّغم من أنَّ سلطنة عُمان قدَّمت برامج دعم متتابعة لهذا القِطاع، ظلَّتِ الحاجة قائمة إلى حلول أكثر مرونة وسرعة، تُتيح للمؤسَّسات مواجهة متطلبات السُّوق في اللَّحظة المناسِبة. فالتَّجربة العُمانيَّة تُثبتُ أنَّ نجاح هذه المؤسَّسات لا يتوقف عِنَد حدود الطُّموح الفردي، وإنَّما يعتمد على بيئة تمويليَّة تتفهم واقعها وتستجيب لتحدِّياتها، بحيثُ يتحول التَّمويل من عائق إلى قوَّة دفع، ومن معضلة إلى أداة تمكين، تُعزِّز الاستدامة وتفتح الطَّريق أمام اقتصاد أكثر تنوُّعًا وتوازنًا.
ويُمثِّل إطلاق صندوق عُمان المستقبل لمحفظته الإقراضيَّة استجابةً عمليَّة للتَّحدِّيات الَّتي واجهتِ المؤسَّسات الصَّغيرة والمتوسِّطة لسنواتٍ طويلة، ويعكسُ انتقالًا في فلسفة التَّمويل من البيروقراطيَّة التقليديَّة إلى نماذج أكثر مرونة وسرعة. فالحصول على التَّمويل خلال فترة لا تتجاوز أُسبوعين، مع توفير خطط سداد ميسَّرة، يُعَدُّ تحوُّلًا نَوْعيًّا في دعم روَّاد الأعمال، إذ يمنحهم القدرة على مواجهة التَّحدِّيات التَّشغيليَّة وتغطية رأس المال العامل في اللَّحظة المناسِبة.
وتزداد أهميَّة هذه الخطوة عَبْرَ الشَّراكة مع شركة (بيهايف)، الَّتي تمتلك خبرة إقليميَّة في مجال التَّمويل البديل، وتستخدم تقنيَّات الذَّكاء الاصطناعي لتحليلِ أوضاع الشَّركات وتقييم قدرتها على السَّداد، حيثُ يسرع إدخال التكنولوجيا في منظومة التَّمويل الإجراءات، ويُعزِّز الشفافيَّة والدقَّة، ويرسِّخ بيئة حديثة تتماشى مع مستهدفات رؤية «عُمان 2040» في بناء اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار. ومن خلال هذه المبادرة، يتضح أنَّ الصُّندوق لا يقتصر على توفير المال، وإنَّما يفتح آفاقًا جديدة لشراكات تبني جسور الثِّقة بَيْنَ الدَّولة وروَّاد الأعمال، وتدعم مساهمة المؤسَّسات الصَّغيرة والمتوسِّطة في الاقتصاد الوطني.
لا شك أن الأثَر المتوقَّع لإطلاق المحفظة الإقراضيَّة يتجاوز حدود التَّمويل المباشر للمؤسَّسات الصَّغيرة والمتوسِّطة، لِيُشكِّلَ إضافةً استراتيجيَّة لمسار الاقتصاد الوطني، فحين تحصل هذه المؤسَّسات على الدَّعم المناسِب، تتحول إلى روافع حقيقيَّة للنُّمو من خلال قدرتها على توليد فرص عمل جديدة للشَّباب العُماني، وزيادة القِيمة المحليَّة المضافة، وتعزيز المحتوى الوطني في مختلف القِطاعات.
كما أنَّ توفير بيئة تمويليَّة ذكيَّة ومَرِنة يفتح الباب أمام استقطاب استثمارات أجنبيَّة، تبحث عن أسواق تتمتَّع بالثِّقة والشفافيَّة، وهو ما يُعزِّز مكانة السَّلطنة كمركز إقليمي للابتكار وريادة الأعمال، ما يؤكِّد أنَّ مستقبل التَّنمية الاقتصاديَّة يَقُوم على بناء منظومة متكاملة تستند إلى الشَّراكة بَيْنَ الدَّولة وروَّاد الأعمال، وتعتمد على دعم متواصل يَضْمن استدامة النُّمو.
يُمكِن القول إنَّ المحفظة الإقراضيَّة تُمثِّل مشروعًا وطنيًّا يُعيِد صياغة دَوْر المؤسَّسات الصَّغيرة والمتوسِّطة، لِتكُونَ شريكًا أصيلًا في مَسيرة التَّنويع الاقتصادي وتحقيق التَّنمية المستدامة، كما تُمثِّل في بُعدها الإنساني بارقة أمل لآلاف الشَّباب الطَّامحين إلى تحويل أحلامهم إلى مشروعات قائمة، يجدون فيها وسيلة للكرامة والعمل والإبداع، ويصنعون من خلالها قصص نجاح تعكس صورة السَّلطنة القادرة على أن تمنحَ أبناءها الفرص وتفتحَ أمامهم دروب المستقبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى