توبفن و ثقافةكُتّاب وآراء

الأديبة السورية هيام سلوم تكتب لـ «30 يوم» :الكتابة رحلة إلى الداخل…!!

أكتب لأدون دهشةً لم أجد لها تفسيرًا، وصرخةً خافتة تبحث عن لغة تليق بها، لغة تحملها وتجعلها تخرج إلى العالم دون أن تفقد شيئًا من قوتها وسحرها.
أكتب لكي أستريح من ضجيج نفسي الذي يلاحقني في كل زاوية من زوايا أيامي، من أصوات أفكاري المبعثرة التي تتزاحم في عقلي وتختلط أحيانًا إلى حدّ الإرباك.
أكتب لأنني لا أستطيع الجلوس بلا قراءة، لأن القراءة تغذي الروح وتفتح نوافذ العقل على عوالم لم أكن أتصورها، وعندما أكتب أكون أنا أيضًا قارئًا لنفسي، أقرأ أعماقي وأحاسيسي وأخطائي، أستكشف الحيرة التي تسكنني، وأحاول الإمساك بأطرافها قبل أن تتلاشى في ضباب الزمن.

أكتب لكي أتعلم، أتعلم كيف أكون حاضرًا في عالمي الخاص، كيف أتنفس من الهواء الداخلي النقي، كيف أستوعب الدروس التي تقدمها الحياة لي بصمتها، وكيف أحول الألم والتشوش إلى كلماتٍ تمنحني الراحة، حتى ولو كانت هذه الكلمات مجرد حبالٍ أعلق عليها أملي في فهم نفسي.
كل نصّ أكتبه هو رحلة إلى الداخل، رحلةٌ تتخطى حدود المكان والزمان، تفتح أبواب الذكريات، وتستحضر مشاهد لم أستطع التعبير عنها من قبل.
.كل رحلة من هذا النوع يجب أن تأتي بجديد، يجب أن تكون كتابةً لا تعيد نفسها، كتابةً تضيء زوايا لم تُستكشف بعد، كتابةً تتجاوز الصمت لتكشف عن أصوات الروح التي لا يسمعها أحد سواي.

ليس الهدف من الكتابة هنا أن تنال إعجاب الآخرين، ولا أن تصبح مجرد عرضٍ للمهارة أو التفنن في اللغة، بل الهدف هو أن تكون الكتابة مرآة صادقة لنفسي، حوارًا حيًا بيني وبين أفكاري، أحيانًا غاضبًا، وأحيانًا مفعمًا بالدهشة، وأحيانًا هادئًا كنسيم يتسلل عبر نافذة مفتوحة.
كل نص أكتبه هو اختبار للصبر وللوعي، رحلةُ تعمقني في فهم نفسي، وتتيح لي مساحةً لتفكيك خيوط الحيرة التي تحيط بي، ولإعادة ترتيب أفكاري في سياق يليق بالدهشة التي أشعر بها، والصرخة التي تسكن قلبي منذ زمن بعيد.

إن الكتابة بهذا الشكل، كتابةً أعمق من الصمت، هي أداة للتحرر الداخلي، وسبيلاً لفهم العالم الخارجي بطريقة غير تقليدية. فالكتابة تمنحني القدرة على رؤية الأشياء كما هي، بعيدًا عن أوهام المظاهر وزيف الكلمات الجاهزة، ومن خلالها أكتشف علاقتي بالزمان وبالأحداث، وبالآخرين، وبنفسي قبل كل شيء.
في النهاية، كل نص يُكتب بهذه الروح هو أكثر من مجرد حروف على صفحة؛ إنه رحلة تأمل، وتجربة حسية وفكرية، ومحاولة لفهم الذات والعالم معًا، رحلة لا تنتهي طالما هناك دهشة، وصرخة تبحث عن لغة تليق بها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى