كُتّاب وآراء

الإعلامية الجزائرية كريمة الشامي تكتب لـ «30 يوم» : عندما تنظر إلى الموت كما تنظر للحياة كلاهما وقفة في سفر طويل

حين نسأل عن ماهية النفس فنحن نمسك بطرفَي حبلٍ واحد:
طرفٌ يصف الخبرة الداخلية التي نعيشها لحظة بلحظة، وطرفٌ آخر يحاول العلم رصده عبر الدماغ والجسد “ما وراء النفس” ليس هروبًا إلى الغيب، بل جسر معرفي بين التأمل الروحي وبين القياس التجريبي، حيث يتلاقى الوعي الإنساني مع التكنولوجيا الحديثة.
هنا تبرز فكرة التكنولوجيا الروحية:
أي الممارسات التي تُهندِس الانتباه والانفعال والمعنى (تأمل، ذكر، صلاة، تنفّس واعٍ)، وحين نضيف إليها أجهزة وتطبيقات تراقب وتُغذّي راجعًا (تطبيقات الهاتف، الواقع الافتراضي، الارتجاع العصبي) فإننا ندخل عالم التكنولوجيا المادية. الاثنان يكمّلان بعضهما: الروحاني يوجّه النية والمعنى، والمادي يقدّم الأداة والقياس..
أولا : ماهيّة النفس — تعدّدٌ منظم لا جوهرٌ واحد
النفس ليست كتلة واحدة بسيطة، بل هي نسيج متعدد الأبعاد.
ذات مُجسَّدة:
إحساسنا بجسدنا وإدراكنا الداخلي.
ذات وجدانية – تحفيزية:
العواطف والدوافع، وما يحرّك سلوكنا.
ذات معرفية – سردية:
قصتنا عن أنفسنا، ذاكرتنا وهويتنا
ذات اجتماعية:
كيف نرى أنفسنا من خلال الآخرين وكيف يفهموننا.
ذات روحية – أخلاقية:
البُعد الذي يربطنا بالقيم العليا، بالمعنى، وبالله.
وهنا نستحضر قوله تعالى:
﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ [الشمس: 7-8]
فالنفس تحمل في جوفها بذور الخير والشر، والإنسان هو من يختار أيّها يُنمّي.
ثانيا: التكنولوجيا الروحيّة وعلاقتها بالتكنولوجيا المادية
الممارسات الروحية مثل التأمل والصلاة والذكر تُعيد للنفس توازنها، وتفتح المجال للهدوء الداخلي.
التكنولوجيا المادية (تطبيقات اليقظة، الواقع الافتراضي، أجهزة قياس الدماغ والارتجاع العصبي) تعمل كعدسات تكبّر هذه الممارسات وتحوّلها إلى تجارب قابلة للقياس والمتابعة.
عندما يلتقي الاثنان، يصبح لدينا ما يشبه “هندسة وعي” حديثة: ممارسة روحية مدعومة بأداة تقنية، تمنح الإنسان وعيًا أعمق بنفسه، وتعيده إلى التوازن بين داخله وعالمه.
ثالثًا: كيف نفهم العلاقة عمليًا؟
النفس مشروع بناء:
كل بعد فيها يمكن تقويته بممارسة روحية أو تقنية حديثة.
التكنولوجيا ليست عدوًا للروح:
بل يمكن أن تكون جسرًا، شرط أن تُوجَّه بالقيم والمعنى.
المسؤولية مشتركة:
نحن من نقرّر أن تكون التقنية وسيلة لتحرير وعينا، أو أداة لاستعبادنا.
التكامل هو الحل:
التكنولوجيا الروحية تقدّم البوصلة، والتكنولوجيا المادية تقدّم الأداة.
ختاما…
النفس الإنسانيّة نمط متعدد الأبعاد يتجاوز حدود الجسد والعقل.
والتكنولوجيا الروحية ليست بديلًا عن التكنولوجيا المادية ولا نقيضًا لها، بل هي بوصلة معنوية تساعدنا على استخدام الأدوات الحديثة بشكل يخدم الإنسان، لا يجرّده من إنسانيته.
ولعل أصدق ما يقال في هذا السياق هو ما كتبه جبران خليل جبران: “إنّ النفس إذا نضجت لا تعود تخشى شيئًا، فهي تنظر إلى الموت كما تنظر إلى الحياة، وكلاهما وقفة في سفر طويل”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى