توبكُتّاب وآراء

إبراهيم الداروي يكتب لـ «30 يوم» : نتنياهو يحاول كسر طوق الفشل بمهاجمة مصر .. هل حانت لحظة انهيار حكومة اليمين المتطرف؟

أثار رد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على بيان الإدانة لمخطط تهجير الفلسطينيين، الصادر عن وزارة الخارجية المصرية، موجة غضب شعبية واسعة في مصر.

التصريحات، التي زعم خلالها نتنياهو أن مصر تفضل حبس سكان غزة داخل منطقة الحرب، تعكس استراتيجية ممنهجة من قبل حكومة إسرائيل اليمينية المتطرفة لتبرير سياساتها العدوانية ومخططاتها لتهجير الفلسطينيين، في محاولة يائسة للهروب من المسئولية عن جرائمها في غزة، وصرف الأنظار عن فشل حكومته في تحقيق أهدافها المعلنة، سواء في تدمير المقاومة الفلسطينية أو تحرير الرهائن.

ومنذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أكتوبر 2023، اتخذت مصر موقفًا واضحًا وثابتًا يرفض أي محاولات لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم.

الموقف المصري الذي يمثل صوت الحق والعدالة في مواجهة سياسات الاحتلال العدوانية، لم يكن جديدًا، إذ يعكس التزام مصر التاريخي بدعم الحقوق الفلسطينية، وهو ما تجسد في جهودها الدبلوماسية المستمرة لتحقيق السلام، وفي دورها الحيوي كوسيط في المفاوضات بين الأطراف المتصارعة.

وأكدت القاهرة مرارًا وتكرارًا أن أي محاولة لدفع الفلسطينيين نحو النزوح خارج غزة، سواء عبر القصف العنيف أو الحصار الممنهج أو الإغراءات المالية، هي خط أحمر لن تتهاون في مواجهته.

الرفض المصري القاطع ينبع من إدراك القاهرة للعواقب الكارثية التي قد تترتب على مثل هذه المخططات، ليس فقط على الشعب الفلسطيني، بل على الأمن القومي المصري والإقليمي.

وتأتي تصريحات نتانياهو، في سياق ضغوط داخلية وخارجية، تشمل اتهامات الفساد الموجهة إليه ومذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب.

وبدلًا من مواجهة هذه التحديات بشكل مباشر، يلجأ نتنياهو إلى أسلوب التحريض والتضليل، محاولًا تحميل مصر مسؤولية الأزمة الإنسانية في غزة، التي هي نتيجة مباشرة لسياسات الاحتلال الإسرائيلي.

وزارة الخارجية المصرية، استنكرت هذه التصريحات بشدة، واصفة إياها بأنها ادعاءات مضللة ومرفوضة، تهدف إلى تشتيت الانتباه عن الانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة ضد المدنيين الفلسطينيين.

البيان لم يكن مجرد رد دبلوماسي روتيني، بل رسالة قوية تعكس رفض مصر القاطع لأي محاولات للزج باسمها في مخططات تهجير الفلسطينيين.

أكدت القاهرة أنها لن تكون بوابة للتهجير، ولن تسمح بتصفية القضية الفلسطينية، والتزامها بحماية الحقوق الفلسطينية ودعم إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 4 يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.

من المهم أن نفهم السياق التاريخي والسياسي الذي يحيط بتصريحات نتنياهو. فحكومته اليمينية المتطرفة، التي تضم شخصيات مثل إيتمار بن غفير، وبيتسيليل سموتريتش، تبنت سياسات تهدف إلى تغيير الواقع الديموغرافي والجغرافي في الأراضي الفلسطينية.

المخطط يشمل التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، والسيطرة على معبر رفح -من الجانب الفلسطيني- وفرض حصار مشدد على غزة يهدف إلى جعل الحياة في القطاع غير قابلة للاستمرار.

تصريحات نتنياهو حول فتح معبر رفح لخروج الفلسطينيين ليست سوى جزء من هذا المخطط، الذي يسعى إلى دفع الفلسطينيين إلى النزوح الجماعي، سواء إلى مصر أو الأردن أو حتى السعودية، كما زعم في تصريحات أخرى أثارت استياءً عربيًا واسعًا.

اتهام نتنياهو لمصر بمحاولة -حبس- سكان غزة هو محاولة لقلب الحقائق، حيث أن مصر هي التي بذلت جهودًا جبارة لتخفيف المعاناة الإنسانية في القطاع.

منذ بداية العدوان، عملت القاهرة على إدخال المساعدات الإنسانية عبر معبر رفح، رغم التحديات اللوجستية والعراقيل التي فرضتها إسرائيل.

عشرات الشاحنات المحملة بالمساعدات الغذائية والطبية تعبر يوميًا إلى غزة، في إطار جهود مصرية متواصلة بالتعاون مع المنظمات الدولية.

هذه الجهود ليست مجرد إجراءات إنسانية، بل تعكس التزام مصر بدعم صمود الشعب الفلسطيني على أرضه، ورفضها لأي محاولات لاقتلاعه من موطنه.

على النقيض من ذلك، فإن إسرائيل، بقيادة نتنياهو، هي التي حولت غزة إلى سجن كبير، من خلال حصارها المستمر منذ عقدين، والذي شمل تقييد حركة الأفراد والبضائع، وتدمير البنية التحتية، واستخدام التجويع كأداة حرب.

تصريحات نتنياهو التي تزعم أن مصر تمنع سكان غزة من مغادرة منطقة الحرب تناقض الواقع، حيث إن مصر فتحت معبر رفح لاستقبال الحالات الطبية العاجلة، وسمحت بعبور آلاف الفلسطينيين لتلقي العلاج أو لأغراض إنسانية أخرى، رغم القيود الأمنية التي تفرضها إسرائيل على الجانب الآخر من المعبر.

إن محاولة نتنياهو تصوير مصر كعائق أمام حرية الفلسطينيين هي جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى شيطنة الدور المصري، وإضعاف موقف القاهرة كوسيط رئيسي في المفاوضات.

مصر، بالتعاون مع قطر والولايات المتحدة، لعبت دورًا محوريًا في محاولات التوصل إلى وقف لإطلاق النار وتبادل الأسرى والمحتجزين.

هذه الجهود تعرضت لعرقلة متكررة من قبل الحكومة الإسرائيلية، التي أصرت على شروط تعجيزية، مثل السيطرة على محور فيلادلفيا، مما يعكس رغبة نتنياهو في استمرار التصعيد لخدمة أجندته السياسية الداخلية.

من جهة أخرى، يبرز الموقف المصري كنموذج للثبات والمبدئية. لقد أكدت القاهرة مرارًا أن التهجير القسري أو الطوعي للفلسطينيين هو انتهاك صارخ للقانون الدولي، ويُعد جريمة تطهير عرقي.

موقف القاهرة يتماشى مع القرارات الدولية، ويعكس التزام مصر بالقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف.

كما أن مصر دعت المجتمع الدولي، إلى تحمل مسؤوليته في حماية الشعب الفلسطيني، وطالبت بموقف موحد ضد السياسات الإسرائيلية التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية.

في المقابل، يواجه نتنياهو اتهامات دولية بارتكاب جرائم حرب، وهو ما يزيد من عزلته على الساحة الدولية.

الدور المصري في دعم القضية الفلسطينية يظل ركيزة أساسية للاستقرار الإقليمي. فالدور المصري لم يقتصر على تقديم المساعدات الإنسانية، بل ذهب إلى قيادة جهود دبلوماسية مكثفة لحشد الدعم الدولي ضد مخططات التهجير، وهو عكسته زيارات وزير الخارجية المصري إلى عواصم عالمية، واتصالات مصر المستمرة مع الأطراف الدولية.

هذا الدور المحوري جعل مصر، هدفًا للهجمات الإعلامية والسياسية من قبل نتنياهو وحكومته، الذين يدركون أن الموقف المصري الصلب هو العقبة الأكبر أمام مخططاتهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى