سماحة سليمان تكتب لـ «30 يوم» :الطفولة في الصناديق السوداء .. كيف نعيد تلوين ذاكرتنا؟

كنّا نتعلّم منذ الصغر أن نصبح كما يريدون:
مثل الأم… صابرة متحمّلة،
ومثل الأب… عصبي غاضب.
لم تكن هي ضعيفة ولا هو قاسياً… هما فقط ورثا ما لم يختاراه: سلسلة من أعراف وموروثات قالت للرجل “يجب أن يغضب” وقالت للأنثى “يجب أن تسكت”.
فغابت لغة الحوار، وضاعت المودة بين الغضب والصمت، وتحوّل الحب إلى نسخة مشوّهة لا تحمل رحمة ولا دفئاً.
لكن، هل هذه “مودة ورحمة” حقاً؟ أم هي أقنعة ورثناها مع جراح طفولة مشوّهة، نخفيها خلف أبواب مغلقة وستائر مسدلة؟
الطفولة التي أُجبرت على النضج
كبرنا أسرع من أعمارنا. تحوّلنا من أطفال يريدون اللعب إلى صغار يتقنون الصمت والتحمّل.
كثير منّا صاروا “المنجزين” الذين يرفع الأهل رؤوسهم بهم، لكن خلف تلك النجاحات كانت صناديق سوداء تحبس دموعاً لم تُسكب وصراخاً لم يُسمع.
سلسلة الألم الموروث
الغضب الذي ورثه الأب ليس خطيئته، والصمت الذي حملته الأم لم يكن ضعفاً… كلاهما كانا ضحايا لنمط قديم من “الحب المشوّه”.
الحوار لم يكن مسموحاً به، والتعبير عن الألم كان يُعتبر عقوقاً أو حراماً. وهكذا كبرنا نجرّ جراحاً متعفنة لم نجد من يداويها.
ما داخل الصندوق الأسود؟
طفلة لم تُسمَع. خوف لم يُفسَّر. أحلام دُفنت في الصمت.
لكن هذا الصندوق ليس مقبرة… هو جزء منّا ينتظر أن يُفتح بحنان لا بأصابع الاتهام.
وفتح الصندوق لا يعني جلد الماضي، بل الاعتراف بما عانيناه لننظّف الجرح ونمنحه فرصة للشفاء.
إعادة التلوين: شجاعة لا هروب
يمكن أن نخرج تلك الصور القديمة بالأبيض والأسود، ونضيف إليها ألواناً جديدة:
غضب الأب قد يُرى كخوف من الفشل.
صمت الأم قد يُفهم كحماية صامتة.
طفولتنا المجروحة قد تتحوّل إلى مصدر قوّة بدل أن تبقى وصمة ألم.
الخاتمة
نحن لسنا سجناء صناديقنا السوداء.
يمكننا أن نفتحها، نربّت على كتف ذاك الطفل الصغير في الداخل، ونقول له:
“أنا أراك الآن… وأستطيع أن أحميك.”
الاعتراف بالألم ليس عقوقاً، بل شجاعة.
وإعادة تلوين ذاكرتنا ليست تزويراً للماضي، بل طريقة لنصنع مستقبلاً لا يكرّر نفس الأخطاء.