توبكُتّاب وآراء

حمدي رزق يكتب: نهاية حقبة القوانين الاستثنائية

بصدور قانون الإيجارات القديمة، تنتهي حقبة القوانين الاستثنائية في الدولة المصرية.
القانون القديم، كان استثنائيا، وصدر في ظرف استثنائي، ولم يعد هناك مسوغ قانوني أو مجتمعي لاستمرار مثل هذه القوانين الاستثنائية التي حكمت عقود الجمهورية القديمة منذ الستينيات وحتى ساعة صدور القانون الطبيعي الجديد.
رسالة القانون، الجمهورية الجديدة تستحق قوانين طبيعية وليست استثنائية، ومواجهة حزمة القوانين الاستثنائية ضرورة وطنية مستوجبة، وإحلالها بقوانين طبيعية تصدر في ظروف طبيعية لتحكم أحوال طبيعية من فضائل الجمهورية الجديدة.
ختام الانعقاد العادي الخامس من الفصل التشريعي الثاني في 8 يوليو 2025، شهد صدور عدد القوانين بلغت 186 بإجمالي عدد مواد 2635 مادة، أهمها قانون الإجراءات الجنائية، قانون العمل، قانون المسئولية الطبية وسلامة المريض، قانون الضمان الاجتماعي، قانون تنظيم إصدار الفتوى الشرعية، قانون بشأن بعض الأحكام المتعلقة بقوانين إيجار الأماكن وإعادة تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر.
التطبيع القانوني، هدفا، والخلاص من ربقة القوانين الاستثنائية حق مستحق لجموع الشعب في حياة قانونية طبيعية، خلوا من الاستثنائية القانونية التي تخلف مظالم، تتكاثر كالفطريّات تسبب جملة أمراض مزمنة وسارية عانت منها الجمهورية القديمة وحتى ساعة صدور القانون ولحين تطبيقه.
القوانين الاستثنائية التي استهدفتها الثورة التشريعية في الجمهورية الجديدة، كانت نصوص قانونية استثنائية تهدف إلى التعامل مع ظروف استثنائية أو أزمات في المجتمع، كالأزمات الاقتصادية أو الاجتماعية، وغالباً ما صدرت في وقت الحاجة، وتستهدف قطاعات محددة من السكان أو مناطق معينة، وتُعتبر خروجاً مؤقتاً عن القواعد العامة للقانون العادي، وقد تشمل إجراءات تقييد أو فرض قيود خاصة. من أمثلة هذه القوانين قانون الطوارئ الذي ألغاه الرئيس السيسي في أكتوبر 2021، وهو ما يعكس حالة الاستقرار والأمن، الذي تعيشه البلاد، في ظل الجمهورية الجديدة، ويحمل أيضا تداعيات إيجابية على صعيد تهيئة المناخ للاستثمار الأجنبي.
وأخرها، أخر القوانين الاستثنائية قانون إيجار الأماكن التي صدرت في مصر لتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر في فترات ارتفاع الأسعار، وهي قوانين استخدمت كآلية تنظيمية مؤقتة صارت اعتيادية وترتب عليها أوضاع قانونية.. وحان وقت زوالها بزوال المؤثر، مع حالة الاستقرار التي تشهدها البلاد ما أذن بمراجعة القوانين الاستثنائية كافة.
لاقت أن القوانين الاستثنائية في مصر تعمر طويلا، تكاد تتحول إلى قوانين طبيعية، وهذا موطن الخشية على سلامة البناء القانوني، لا يمكن تأسيس جمهورية جديدة في سياق دولة مدنية ديمقراطية حديثة دون استكمال مقومات البنية الأساسية التشريعية التي كانت تقادمت، ولم تعد تواكب طموحات الجمهورية الجديدة، قوانين حاكمة من بنات أفكار جمهورية قديمة تحكم جمهورية جديدة بأفكار جديدة بأحلام طموح.
معلوم القوانين في تجليها فقها قانونيا كالفتوى تتغير وفقا للزمان والمكان والأحوال، والأحوال تغيرت، زمنا ماضيا كانت القوانين الاستثنائية محصنة بعرف اجتماعي ضاغط، لا تمس وكأنها من نواميس الكون، قوانين من صنع بشر مأزومين تحت ضغط أزمة، تصدر مؤقتا، وتصير ضاغطة، وتستمر بالاعتياد، واصبحت من قوانين العادة، قوانين الواقع، وتطل جامدة لا تعتبر لتغير الزمان والأحوال.
كتبت في هذه المساحة وأكتبها من جديد، والتكرار يعلم الشطار، القوانين الاستثنائية التي عالجتها الثورة التشريعية في الجمهورية الجديدة بعضها يعود لقرن مضى، وأبعد من ذلك، ما كان صالحا لزمن (الملكية المصرية) لم يعد صالحا لزمن الجمهورية، والقوانين الاشتراكية (قوانين الحقبة الناصرية) لم تعد تلبي حاجات الجمهورية الديمقراطية المدنية التي عنونت دستور 2014.
عناوين القوانين الجديدة والمستجدة ربما لم تلفت كثيرين، مروا عليها مرور الكرام، ولكنها كانت ضرورية بل حتمية لكسر الجمود التشريعي الذي كانت عليه (الجمهورية القديمة)، منها قانون حافز مشروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته، والجمهورية القديمة لم تكن تعرف سوي الهيدروجين في تكوين الماء، ولم تكن تعرفت بعد على ألوانه، لتقف عليها تشريعيا.
فضلا قانون إنشاء جهاز إدارة والتصرف في الأموال المستردة والمتحفظ عليها، وهذا قانون استوجبته مصادرات أموال الإرهاب بعد حرب ضروس مع الجماعة الإرهابية وأذرعها وذيولها، وترجمته تجسده نصوصا في قانون الكيانات الإرهابية، وكانت مثل هذه الكيانات تعالج وفق (قانون الطوارىء) وتطعن على استثنائيته، وتجيش عليه منظمات حقوقية ممسوسة إخوانيا.
تحديث البناية التشريعية ضرورة ملحة، يصعب تعلية البنيان العمراني وتحديث البنية الأساسية، وتحديد الخطاب القانوني، دون بنية تشريعية حديثة، متماسكة، تتسق مع أهداف المرحلة، لا تجافيها، ولا تصادمها، بل تعبد الطريق القانوني لمنظومة مستقرة من قوانين الحقوق والحريات.
أهمية الثورة التشريعية التي اضطلع بها مجلس النواب بمرجعية مجلس الشيوخ، والثورة التشريعية في تجليها قوانين بهذه الكثافة، ليس من قبيل الرفاهية التي يتحدث بها من لايفقه مقومات الثورة التشريعية المرتجاة، أسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون.
العالم من حولنا يراجع بأريحية قانونية القوانين الموروثة من عهود مضت، يكاد الزمان يتجاوزها، وصياغة القوانين الجديدة بعقليات قانونية رصينة تتمتع بأريحية قانونية لافتة، استلهمت ما يسمى مجازا “روح القانون”، هذا ما يجنبنا التضاغط السياسي الداخلي المجاني حول التشريعات الجديدة في ظل مهددات الأمن القومي.

الأهرام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى