كُتّاب وآراء

الإعلامي العراقي حسين الذكر يكتب لـ «30 يوم» : في الساحل السوري .. مفهوم جنسي وآخر اجتماعي .. !

( العِير ) جاءت في القرآن الكريم فصحى ذات معنى واضح تعني ( القافلة ذات الأحمال ) وهي نادر ما تستخدم في النصوص الأدبية والصحفية وحتى الفقهية .. وقد سألت قبل سنوات أحد المختصين عن هذه المفارقة فقال : ( ذلك لأسباب اجتماعية ) فالأعراف أحيانا لها قوة توقف استخدام مصطلح او حكم ما .
قبل سنتين وجهت دعوة من قبل الأخوة الأدباء في الساحل السوري لالقاء محاضرة عن (التوظيف الاعلامي في عصر الانترنيت) لم يكن مضمون المحاضرة له اي علاقة بالنظام والسياسة القيتها بحضور نخبوي كثيف برغم الاوضاع العصيبة التي يعيشها السوريين وبناء على الاستساغة دعيت ان اعيد المحاضرة في طرطوس وجبلة ..
في اللاذقية أصر أحد المستمعين على عزيمتي في بيته للغداء وقد عرفني بنفسه وزوجته استاذين جامعيين ولديه شابين جامعيين . وصلت داره التي تبين انها شقة متواضعة بعفش ( اقسم بالله ان الشغيلة الاجانب في بعض البلدان العربية يعيشون بأفضل منه ) . وقد دعى أقاربه وقدموا لي وجبة بسيطة خالية من ( المشمر والمحمر ولحوم الخرفان والعجول ) إلّا انها تحمل نكهة غذاء حضاري صحي سابقى اتذوقه طوال العمر بأجواء أدبية أخوية عامرة لم نتظرق فيها عن السياسة ولا صعوبة أحوالهم المعاشية أو الكهرباء المقطوعة ليل نهار .
في اليوم الثاني زرت طرطوس حيث حاضرت في مقر اتحاد الكتاب والأدباء العرب وكان المقر في شقة بسيطة جدا اكتفوا بتقديم الشاي والماء وباقة ورود ثم تفاعلوا بما القيت بنقاشات أدبية فلسفية خالصة دون الإشارة إلى السياسة كما لم يحل انقطاع الكهرباء عن مواصلة جلستنا النخبوية بأفكار إنسانية حضارية .
في اليوم الثالث اصطحبوني إلى جبلة تلك المدينة الساحلية الجميلة الغافية على شواطيء بحر عميق هادر حزين وقد لفت نظري رجل ستيني في حديقة عامة ينظف أشجارها ويسقي الزرع بخرطوم متعبا أكثر منه .. اقتربت سائلا : ( هل أنت موظف هنا ) . فقال : ( لا لكن من أبناء المنطقة ويعز علي أن أترك حديقتنا بهذا الحال فهي جزء من حضارة وهوية المدينة ) .
في صباح اليوم الأخير في الساحل مررت على الحديقة باكرًا فوجدته يعمل بهمة فأخرجت مائة دولار كانت كل ما امتلك ودسستها بجيبه عنوة بعد أن رفض قاطعًا أخذها .. رجوته بالأخوة أن يقبلها فوافق بشرط أن يعزمني على شاي وخبز جلست معه في الحديقة تحت ظل أحد الأشجار وبدائرة زهور نضرة عشت نصف ساعة معبرة جدا تعلمت منه معنى المواطنة والحرص على ممتلكات الصالح لعام .
في جبلة المدينة التي شعرت يلفها حزن ما عميق برغم جمالها الآخاذ كانها تستنبأ واقعا دمويا آت .. كانت محاضرتي في حديقة بيت دعي لها الاصدقاء انتهت بنقاشات مذهلة مع أشخاص تحلوا بالفكر والأدب الوعي برغم ما اعتصرهم من سوء معاشي وخدماتي .. بعد انتهاء المحاضرة طلبت أن اتعشى فلافل فذهبنا لمحل صغير مزدحم بالزبائن وقد طلب مرافقي وجبتنا وذهب يهيئ لنا مقعدين .. بهذه الأثناء التفت إلي العامل مجهز الطعام قائلا : ( أستاذ تريد عيران أم واحد )؟! .. وقد بهتت وسكتت حرجا بلا اجابة .. لم افهم معنى كلمته إلا بعد أن جاء لنا بسندوجيتي فلافل ومعها قنينتي لبن اتضح انها هي المقصود بمفردة ( عيران ) !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى