توبكُتّاب وآراء

خالد إدريس يكتب لـ «30 يوم» : رحلة عذاب تكشف المنظومة الصحية المهترئة

المنظومة الصحية في مصر تحتاج لإعادة صياغة ، فالأمور سيئة والأوضاع متردية ، صحيح أن أغلب المستشفيات تؤدي دورها في العلاج المجاني ،وقرارات العلاج على نفقة الدولة ما زالت تصدر ويستفيد منها الملايين ولكن مطلوب رفع ميزانية وزارة الصحة وضبط عملية الإنفاق ومراقبة آداء العنصر البشري لمنع إهدار المال العام وضمان وصول الدعم الصحي لمستحقيه .
حكاية الشاب محمود . م . ع تلخص ما وصل إليه حال قطاع الصحة والمنظومة بأكملها من تردٍ ، محمود فني الوميتال كان يؤدي عمله في إحدى الشقق بمدينة الشيخ زايد، وفجأة تعالت صرخاته فقد أفلت المنشار الكهربي ” الصاروخ ” من يده وأصابه بقطع خطير في اليد اليسرى ،هرع إليه صاحب الشقة وهو لواء سابق بالداخلية وأصابه منظر يد فني الألوميتال بصدمة لكنه تماسك وأحضر فوطة وكتم بها دماء محمود وأسرع بنقله في سيارته إلى مستشفى زايد التخصصي، وفي الطريق إتصل صبي محمود بأسرته وأسرع أقاربه خلفه إلى المستشفى .
أخبرهم طبيب الاستقبال أنه يحتاج عملية فوراً وطلبت المستشفى سداد ٢٥ ألف جنيه قبل أي إجراء فوافق صاحب الشقة على الفور وأخرج مبلغاً كان بحوزته واستكمل من أقاربه وسددوا ١٥ ألف جنيه ، وأجريت أشعة ولكن الطبيب أخبرهم أنه لا يمكن إجراء العملية لأنها تحتاج إمكانيات غير متاحة لديهم ، وطلب منهم نقله إلى دار الفؤاد أو قصر العيني .
استرد أهل المصاب المبلغ بعد مشادات ، وأسرعوا بنقله إلى قصر العيني وهو ما زال ينزف .
في مستشفى قصر العيني كان المشهد مفزعاً ، الاستقبال عبارة عن عنبر كبير مفتوح على بعضه ومقسم لغرف عمليات تفصلها ستائر، كان الله في عون العاملين في هذا المكان ، الحقيقة المكان كخلية نحل ومكدس بالمصابين ، الأطباء يبذلون كل الجهد ، استقبلتهم طبيبة وطالعت الحالة وأخبرتهم أنه لا يمكن إجراء عملية الآن وعليهم الانتظار حتى يحين دورهم بعد ٤ أيام تقريباً على أن يوقع المريض إقرار بتحمل النتيجة كاملة حتى لو تم بتر يده ، إنزعج أهل المصاب وأسرع لواء الشرطة السابق إلى الضابط الموجود بنقطة المستشفى لعله يساعد في شئ ، وعرض دفع أي مبلغ بشرط إجراء العملية فوراً ولكن دون جدوى.
أسرع اللواء وأسرته باصطحاب المصاب الذي ما زال ينزف إلى مستشفى المنيل التخصصي، وطبعاً الوضع يختلف من حيث النظافة والمعاملة ، طلبوا ١٨ ألف جنيه في الليلة ، و٣٧ ألف جنيه مقابل إجراء العملية فوافقوا ، لكنهم فوجئوا بالإداري يخبرهم أن المريض سيتم حجزه اليوم وسيأتي الاستشاري غداً للكشف عليه وتحديد ميعاد العملية، وجن جنون اللواء وأسرة المصاب فالحالة لن تنتظر كل هذا الوقت ، عاد اللواء السابق إلى ضابط شرطة قصر العيني وطلب منه أن يساعده ، فأخبره أن مستشفى الحسين الجامعي تجري هذه الجراحات ، واتصل بأمين شرطة في نقطة مستشفى الحسين ولكن شاء حظ المصاب العثر أن يكون قسم التجميل مغلقاً للتجديد .
واصل الضابط اتصاله على أمل العثور على مكان به إمكانيات لإجراء الجراحة فوراً وجاء الفرج من مستشفى أحمد ماهر ، فأسرعت أسرة المصاب بنقله إلى هناك ، وفي مستشفى أحمد ماهر كان المشهد لا يختلف عن قصر العيني ، دخل المصاب وأسرته صالة كبيرة بالطابق الأرضي أشبه بالسويقة بها شباك مكسور وآخر مغلق بالكرتون بدل الزجاج ، جلس المريض على سرير وأحد أقاربه بجواره بينما وقف الباقي عن الباب يتابعون ما يحدث ، بينما بائع الشاي والمشروبات والبسكويت يحمل صندوقه ويتجول بين المرضى وأقاربهم ينادي على بضاعته كأنه في محطة سكة حديد، لم يتخيل أحد أن تكون هذه غرفة عمليات ، خاصة أن درجة الحرارة مرتفعة والتكييف لا يعمل بل يخرج هواء ساخن ،حتى فوجئوا بطبيبة في نهاية العشرينات تمسك بيديه وتعطيه حقنة بنج موضعي وبدأت في إجراء العملية، وجاء طبيب آخر في الثلاثينيات من العمر وبدأ يعاونها في خياطة الأوتار ، كانت الطبيبة تعمل وتهشّ الذباب من فوق الجرح ،حتى تم الانتهاء من العملية وأنا اعتبر أن ما فعلته الطبيبة عمل بطولي في مثل هذه الأجواء ، وفي النهاية تم وضع جبيرة جبس وأذنوا للمريض بالإنصراف على أن يعود بعد أيام للمتابعة .
المصاب شعر بألم وتحمل ليومين لكنه أسرع للمستشفى مرة أخرى وفكوا الجبيرة ليكتشفوا أنها وضعت بطريقة غير سليمة، وقرر الطبيب الاستشاري إجراء تعديلات على العملية وإعادة الجبيرة بطريقة سليمة .
لنا أن نتخيل أن شخصاً أصيب في حادث طارئ ويمكنه أن يدفع مقابل علاجه في حدود إمكانياته ولا يجد مكان ، وهنا نتساءل : ماذا لو لم يكن اللواء السابق بصحبتهم ، وماذا لو لم يتعاون ضابط شرطة قصر العيني ويساعدهم في العثور على مكان ، وماذا إذا كان المصاب لا يملك ثمن العملية هل كان عليه أن ينتظر دوره لأيام ربما يفقد فيها يده مصدر رزقه الوحيد .
حكاية محمود جرس إنذار لوزير الصحة والمسئولين عن المنظومة الصحية ، الحكاية تشمل الإيجابية والسلبية ، فهناك من يتهاون في عمله ، وهناك من يبذل مجهوداً أكثر من المطلوب منه ، وهناك
إمكانات متاحة ومال عام يهدر وأيضا هناك إهمال وفشل إداري وعدم نظام ، وأعتقد أن الجمهورية الجديدة تحتاج لمنظومة صحية تليق بها .
Khalededrees2020@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى