فن و ثقافةكُتّاب وآراء

الإعلامي العراقي حسين الذكر يكتب لـ «30 يوم» : قراءة في سطور ماهر الصراف .. صرخة علمية بمخاض ظلامات الروح والمادة

كتاب بيولوجية الجسد .. ثقافة جديرة القراءة والتتبع والتتويج العربي

كما جاد بها الصراف :
قصة الخلق وفقا لرؤية بيلوجية : ( فاضت الحياة وسط الماء ، كانت الكائنات بدائية رخوة هلامية كالطحالب .. قبل ان تتطور الى مفصليات بحرية على شكل قرديس وسلطعون ثم تتقولب اسماك غضروفية ثم تتوج اسماك عظمية .. بعد معاناة للحصول على الاوكسجين اضطرت ان تزحف على الشواطيء بحثا عنه فصارت برمائية مزدوجة التنفس .. وبعد عصور ومخاضات استحالت البرمائيات الى غزو الفضاء طائرة او بنمو ثدي يدب على الارض لتعتمر بالانسان) .

في البدأ :
لا بد من الاشارة الى اهمية كتاب ( فلسفة بيولوجية الجسد ) لمؤلفه د . ماهر الصراف الطبيب الموسوعي من الاردن الشقيق الذي يمكن تصنيفه ضمن المنافذ العابرة للتخصص حد الالتصاق بالموسوعية او بالاحرى التحفيز لامتلاك قدرة الوعي.

قبل الخوض :
ما احسسته متنقلا بين جبال وهضاب ووديان الكتاب لا بد من التاكيد على اهمية بل ضرورة تعميمه كثقافة عربية ينبغي التوسع بها .

هناك نقطتان تستحق التوضيح :

الاولى :-

تتعلق بومضة جعلها الصراف بمثابة قاعدة لا يجوز تجاوزها للانطلاق نحو النجاح مؤكدا – ان كل فكر انساني يبتغي النجاح لا بد ان ينطلق عبر الفسيولوجيا – بالتفاتة مهمة لكنها ليست جديدة .. فقبل الفين وخمسمائة سنة تقريبا سبق لسقراط اعادة توجيه الانظار الى الانسان وبيئته قبل اي شيء آخر في الكون لتحري الحقيقة .

لا اظن هناك تضاد في المعنى بين (حقيقة سقراط ونجاح الصراف ) سوى من ناحية التوقيت فالروحيين لا يشترطون تحقيقه وعيشه على ارض الواقع فيما الماديين يعدونه نقدا ملموسا لا دليل على صحته الا تلمسه ميدانيا .

الثانية : –

تخص الكم الهائل والخطير من الاسئلة التي مررها او طرحها الصراف شرحا وامثلة للتعبير عن مبتغاه بشكل جلي .. علما ان اغلب تلك الاسئلة ما زالت مطروحة على طاولة الفلسفة والبحث الاجتماعي والدين والثقافة … منذ الاف السنين دون ان نجد اجوبة ثابتة علميا – بمعنى قدرة التطبيق بما يخدم الانسان كمجتمع بشري لا افراد بعينهم او كقوى سياسية نافذة – .

انا لا اجيب هنا .. ولست بصدد الاجابة على اسئلة الثائر الباحث العربي ماهر الصراف بقدر ما اذكره بازمة فلسفية قديمة طرحت ليس لاغراض التهكم بقدر ما اختزنته من تهكم : (متى نسمي كومة الحب كومة .. وهل اذا انقصنا او ازدناها حبة تنتفي التسمية ويتغير العنوان )؟.

( فوق كل ذو علم عليم ) هذا النص مع انه قراني اي غيبي كما يذهب الفلاسفة في معرض اشاراتهم .. لكنه نص مغرق الميدانية وواقعي الحياتية ويصلح لكل زمكان فضلا عن كونه اداة ترويضية للذات الواعية بل صفعة تواضعية لعقل الانسان .

لقد هالتني قدرة الفيلسوف الطبيب ماهر الصراف على انتاج معرفي عربي ينبغي ان نفتخر به وان يعمم على المدارس والجامعات العربية كثقافة واجبة التعلم بدل عن ذلك السيل الخارق المتغلغل في اعماق واوصال البيئة العربية على شكل خرافات وتعميات حد التسخيف غير المناسب لزمن العولمة ولا لقيم الانسان .

بالتفاتة جذابة يذكر الصراف : ( ان نابليون بونبارت اثناء عودته من احدى المعارك ابرق الى زوجته يبلغها بانه سيصلها بعد ثلاث ايام وعليها ان لا تستحم اثناء ذلك .. يشير الصراف الى عظيم رائحة الجسد المجرد من تدخل المساحيق والعطور قاتلة للجمال والاحساس .

د ماهر وبخبرة عقود تخصصية بادق تفاصيل الجينات والجسد والجنين والحمل والولادة وتقنيات الانابيب حتى الاستنساخ .. وهي رحلة مفعمة بالعمل لا تعي ولا تعتمد الا مبضع الجراح وميدانه .. مما جعله يثقب بنظره جدار الثقافة العربية – وان كان ذلك من زاوية بيولوجية الجسد – الا انه يضمر ثورة عارمة ما زال يكظم الكثير مما يعتقده من تطورات ينبغي ان تغير اسس التفكير قبل ادواتها .

القاريء المثقف حتما سيقف عند الكثير من المصطلحات والعناوين والفلسفات التي اغرق بها البحث بشكل موسوعي عجيب ينم عن هدف وازمة طريق قبل ان يشكل رغبة معرفية للصراف .. الذي بسط لنا المفاهيم واستعرض : ( التهجين الاصطناعي والتوزيع الجغرافي والاحافير والعامل التشريحي وعلم الاجنة ودارون ونيشة والسعادين والانسان ولا مارك وارسطو وسقراط وكانت والكثير من عالم الحيوان ) .
قدرة متعددة المواهب وجهد متميز يسير نحو سمو ورقي تفكير الانسان ولو من بوابة جيولوجية .

يعد كتاب ( هؤلاء علموني لسلامة موسى ) من اوائل الكتب التي دلتني على استطعام المعرفة وسبل التثقيف و لا ابالغ هنا اذا قلت ان كتاب – ماهر الصراف – يعد من افضل الكتب التي قراءتها خلال عقدين خلت .. ليس لرفعة لغته وسهلية امتناعه الاسلوبي او لقممية مصطلحاته مما اسهب في البحث عنه بطريقة مبسطة ووجبة مطبخية بحثية تصلح لجميع الاعمار والمراحل والثقافات . بل كون كتابه ( فلسفة بيولوجية الجسد ) يعد بمثابة صيدلية لكل مكتبة بل لاي فكر ثقافي او امنية خلاقة ومادة حية لجسد مات تحت ثقافات التعمية والتجهيل .. الكتاب جدير بالقراءة وحتمية الاعادة .. من يتقنه حد الاستيعاب – وذلك ليس عصي – اجزم بانه سيضع قدم في تحديث ادواته بالتعاطي مع جميع الملفات الحياتية التي اصر السيد الصراف على انها تنطلق من بيولوجية الجسد وقطعا لا تموت او تظفر بتتويج نهائي عند عتبته .
في سطرين اخيرة اوجز الصراف فكرته قائلا : ( علينا ان نعقل ونتعقل لحظة بدا الحياة ولحظة بدا الموت .. وان نعطي حرية للجنس بحمل او حمل بلا جنس .. وان تبقى حرية البحث والتحري قائمة من الجين حتى الهرم لاجل الانسان وصالحه ) .
على مشارف الختام : –
لا يمكن حصر اهداف و فوائد الكتاب بتوصية ونصائح ما .. بعد ان وجدت راهبا علميا عربيا يسمى (ماهر الصواف ) .. قد جاهد لعقود في سوح الجينات مستهدفا خدمة الانسان الذي يحمل الكثير من التمرد والثورة على باليات ارثية متراكمة ما زالت متمكنة – للاسف بكتم صوت الحقيقة او تجليات بعضها – . !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى