الإعلامي العراقي حسين الذكر يكتب لـ «30 يوم» : أول لقائي مع الله !

لم اتذكر من اشيائي التي رافقتني اول مرة عندما ساقني ابي – رحمه الله – عنوة الى المسجد الا ان الفقر قدر ارتسخ في ذاكرة مجتمعية ما زالت تشكل الفاقة قاعدتها العامة برغم تغير الظروف والعناوين والاسماء .
كان يعلمني الخشية من السماء ويمطرني بسيل غير منقطع لفظي وسلوكي من ممنوعات يؤكد بموجبية وايجابية اعادتها على مسامعي .. قطعا لم يكن والدي يبلغني بهذه اللغة التي اكتب فيها بعد عقود الدراسة والبحث والاطلاع .. لكن اميته لم تمنعه من ممارسة الوعظ الجيني والحرص الانتمائي .
كنت اركض والعب في باحة المسجد والكثير من الاشياء لا تلهمني البقاء حيث التقيد والمنع والهيبة والقدسية – التي لا اعرف عنها شيء حينها – واشياء اخرى كثيرة ظلت مغريات اللعب مع اقراني تجهشني في البكاء الداخلي للخلاص والافلات من يد ابي .
بمرور الايام وبرغم قسرية الاجراءات مع طقوس اخرى بيتية وسفرات تصب بذات الاتجاه ترسخت في بالي حد الملكة الكثير من المحفزات او الموجهات المستقبلية التي بعضها ما زال يعاندني حد الفزع بملفات لم اعد استوعب بقائها في ذهني .
ارتسم المقدس شكلا وتغلغل باعماقي لينعكس على الحب والكراهية تلك المزدوجة التي تشكل خطر على حرية الفكر وتحريات النفس اللاحقة .. في بعض المواقف كنت استمع برغبة جامحة لصوت القران ولجمال لحن الاذان فضلا عن ترتيلات ادعية مع حزنها لكنها تغلغلت بروحي وانسابت بكلي وظلت تسيطر او بالاحرى تشكل منطلق لاغلب ان لم تكن جميع دمعاتي اللاحقة .
عند السجود والوقوف بين يدي الله لم يكن بالي حبيس تلك الدائرة فان مغريات الخارج تؤثر على مدخلاتي ومخرجاتي بل هناك تضاد كبير في بناء ذاتي من الناحية القيمية والرغباتية و بالاخص الشهوانية منها التي ادركت بربيع العمر الاول اختمارها بل تحسست صوتها الذي لا يصد ولا يرد .
عند اول امتحان ارضي على ميدان الواقع اخذت تظهر امامي تلك المثبتات التي زرعها والدي في عقلي ووجداني منذ بواكير الطفولة بل اصر على اعتبارها خارطة طريق النجاة والصلاح بمعزل عن اي تقييم ومعيار اقتصادي يعتكز عليه حالي العام في ظل نصائح وسلوكيات تؤكد ان الرزق مكفول من السماء ولا داع للتفكير فيه فان الله ولي العباد ويتولى شان المؤمنين منهم .
( المؤمنون ) تلك المفردة التي رافقتني العمر كله وما زالت تمتزج بكل حرف اكتبه لطالما شكلت في التدرج العقلي مشكلة كبرى حيث واجهت اشكالية التمييز بين المصطلح والمفهوم الواقعي .. حتى تساءلت من هم المؤمنين وهل يحق لي ان اكون منهم .. مع معرفتي حد اليقين باني خالفت الكثير من تعليمات ابي التي نقشها بعقلي ووجداني منذ الصغر .
ظل تعريف المؤمنين يؤرقني ردحا بل يسيطر على مطلق بانوراما تفكراتي الغيبية والميدانية .. هل هم رواد المساجد هل هم الذين يرتدون زي معين يوحي بذلك هل هم من يؤدي طقوس ما تحرك ذاكرة هشة في بواطني .. هل هم ممن يربون اللحى او يقصرون اللباس .. هل هم يحملون مسميات وعناوين معينة .
بعد عقود من البحث الايجابي عن اهمية الميتافيزيقا التي لا بديل عنها لادارة شؤون الارض ادركت ان الايمان ليس هوية وزي واسم معين .. كما تحسست طعم تلك التوجيهات البريئة لرجل امي مثل ابي رحمه الله انها بذرات طبيعية بل اصلية في تربة يجب ان تحتضنها حد الانبات والايناع والاثمار .. شريطة ان تكون القراءة والاطلاع والتحري والبحث والعناد حد التمرد والشك هي الاساس لا من اجل بلوغ عتبة معينة من الحقيقة بل لصناعة ذات يمكنها ربما لاحقا – وقطعا بعون الله وفضله – ان تتلمس الضوء الذي لا يلمس !