كُتّاب وآراء

رانيا عاطف تكتب لـ « 30 يوم » : إلى سند العقل ومُلهم الروح .. الفيلسوف الذي علّمني أن أكون

في حياة كل باحث لحظة فاصلة، يتبدّل فيها الفهم من تلقينٍ جامد إلى وعيٍ حيّ. أما في حياتي، فقد كانت تلك اللحظة عندما شرفني القدر  بالتلمذة على يدي فيلسوف من طراز نادر، لم يعلّمني فقط كيف أفكّر، بل كيف أُولد من جديد في حضرة العقل. إنه أبي وأستاذي، الفيلسوف العظيم الأستاذ الدكتور بهاء درويش، الذي أكتب إليه الآن لا بمداد اللغة، بل بامتنان القلب وعرفان العقل والعمر معًا.

أمام قامته الفكرية تتضاءل الكلمات، فهو لم يكن مجرد ناقل للفلسفة، بل صانع أفقها في عقولنا. لم يكن يكرّر الموروث، بل يعيد خلقه، يبعث فيه نبضًا جديدًا، ويحمله إلى تلاميذه لا بوصفه تاريخًا، بل بوصفه حياة. من محاضراته تعلمنا أن لا نحفظ المذاهب، بل نفككها، نناقشها، نعيشها، ونجرؤ على السؤال، لا بإذنٍ منه فقط، بل بتشجيعه الصادق لنا.

من أجمل ما تعلمته على يدي أستاذي: أن الفلسفة ليست نخبًا ولا ترفًا فكريًا، بل مسؤولية، وحرية، وصدق مع الذات، رأيته كيف يحوّل قاعة المحاضرات إلى منتدى للفكر، لا مكانًا للتلقين، وكيف يفتح لنا أبواب التراث الفلسفي دون أن يغلقها على اسمه، بل يجعلنا شركاء في إعادة قراءته.

لقد تجسدت في أستاذي د.بهاء درويش صفات الفيلسوف الحق: التواضع، والعمق، والنزاهة الفكرية، لم يكن يُرهبنا بسلطته العلمية، بل كان يرفعنا إلى مستواه بسعة قلبه، وسمو قيمه، يقرأ لكل تلميذ باحترام، ويصغي حتى لأضعف المحاولات الفكرية بجدية نادرة، لم يسخر من سؤال قط، بل جعل من كل سؤال طريقًا نحو اكتشاف جديد.

أما عن خلقه، فهو فوق ما يُروى. لم أره يومًا إلا متواضعًا، هادئًا، ساميًا، كأن الفلسفة التي قرأها وكتب فيها، قد أصبحت جزءًا من كيانه، يُنصت كما لو أن العالم يتوقف ليستمع، ويتحدث كما لو أن الحكمة قد اختارت لسانه لكي لا ينطق إلا بها.

ولأن الوفاء لأهل الفضل فرض، فإنني اليوم أقولها بملء القلب وبتأييد العقل وبقناعة النفس:

شكرًا لكم أبي الغالي، وأستاذي المثالي، وفيلسوفي العظيم، أيها المعطاء الذي لم تبخل عليَّ يومًا بعلمك، ولا بحكمتك، ولا بعطائك.

يا منبعَ الحكمةِ السمحاءِ في أدبٍ

وفيلسوفَ الزمانِ في العدلِ والنُّبلِ

د. بهاءُ درويشُ يا فخرَ العقولِ ومن

علَّمتَنا الصدقَ في الفكرٍ وفي العملِ الأصيل

دمتَ المعينَ لنا، وبورك عمركم

والفضلُ في دربِنا يجري على سُبُلِ

أدعو الإلهَ بأن تبقى لنا أبدًا

صِحَّتُك النورُ للعقلِ وللأملِ

يا ربَّ فارزُقْهُ توفيقًا ومَكرُمَةً

وامدُدْ لهُ العُمرَ بالإحسانِ والأزلِ

ستبقى يا أبي رمزًا خالدًا في ذاكرتي، وفي ضمير كل من عرفك، لا بما كتبت فقط، بل بما غرست من فكرٍ وأخلاق في نفوسنا جميعًا.

دمت لي أستاذًا وفيلسوفًا وأبًا عزيزًا غاليًا أعتز بكم ما حييت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى