سامي صبري يكتب لـ « 30 يوم » : الشيوخ .. اختفت الكراتين وغاب الناخب

انتهت الجولة الأولى من انتخابات مجلس الشيوخ فى مصر، ولكن لم تنته الدروس المستفادة منها، وأولها فشل بعض الأحزاب المشاركة فى تعبئة الرأى العام وحشد المواطنين إلى صناديق الانتخابات، الأمر الذى أثر سلبا على نسبة المشاركة والتصويت فى انتخابات تجرى وسط ظروف محلية وإقليمية ودولية صعبة ومعقدة.
وبعيدًا عن عمليات التطبيل الإعلامى من بعض القنوات والمذيعين المعروفين بالأسماء، تؤكد كل مؤشرات الواقع أن نسبة المشاركة متواضعة للغاية، وأن النظام الانتخابى المختلط الذى نسير به (قائمة وفردى ) سبب رئيسى لحالة اللامبالاة وعدم الإهتمام من قبل المواطن المطحون بالغلاء، وستخبرنا النتائج التى ستعلن فى 12 أغسطس الجارى بالخبر اليقين.
ورغم اختفاء ظاهرة كراتين السكر والزيت التى ابتدعتها الأحزاب الموالية للسلطة فى الانتخابات السابقة، ورغم كل محاولات الإغراء المادى والمعنوى، لشراء الأصوات من قبل بعض المرشحين، ورغم دفع الموظفين دفعا من قبل رؤسائهم فى الوزارات والمصالح الحكومية عبر أتوبيسات مكيفة لا تخلو من المشروبات والعصائر المثلجة والأطعمة المغلفة، جاءت نسبة التصويت صادمة وخاصة فى اليوم الأول.
وشهدت العديد من الدوائر داخل القاهرة وخارجها مثل هذا النوع من تزييف الإرادة الشعبية وتوجيهها إلى فئة بعينها، وبلغ ثمن الصوت فى بعض المناطق 500 جنيه يدفعها المرشح إلى وسيطه فى الدائرة، والذى يقوم بتوصيلها إلى الناخب قبل وصوله إلى صندوق الإنتخاب؛ فالمرشح أصبح لا يهمه سوى الكرسى باى طريقة ووسيلة، فكل شىء سيتم تعويضه بمجرد الفوز بعضوية المجلس.
وبغض النظر عما تلقته بعض الأحزاب الكبرى والمسيطرة على المشهد الانتخابى من ملايين خلف ستار التبرع، فإن المشهد برمته لا يليق بمكانة مصر وتاريخها السياسى، ومهما كانت المبررات يبقى السؤال مستمرًا.. ما الذى يجبر مرشحًا على دفع عشرين أو30 مليون جنيه ليدخل على قائمة حزب حصل على عضويته قبل شهر أو شهرين من إجراء الانتخابات؟
إن ما شهدناه فى الجولة الأولى نتيجة طبيعية للركود الذى أصاب الحياة السياسية المصرية خلال السنوات الماضية، وفشل بعض الأحزاب فى الالتحام بالجماهير والعمل على وضع حلول لمواجهة أزماتهم ومشاكلهم الواقعية أو على الأقل مساعدتهم والوقوف بجانبهم وإيصال أصواتهم ومطالبهم إلى صاحب القرار وزيرا كان أو مسئولا حكوميا.
للأسف الشديد تناست بعض الأحزاب أنها تتعامل مع مواطن مصرى ذكى، محنك سياسيا، يعى ما يدور حوله، وما يجرى خلف الكواليس، وبناء على قناعاته يتخذ قراره بالتصويت من عدمه،حتى لو حصل على المظروف أبو 500 جنيه أو على وعد بوظيفة فى شركة أو مصلحة، وكما يقول حال لسانه ( نأخذ فلوسهم ونضحك عليهم ).
لقد حذرت مسبقا وفى كثير من مقالاتى من سلبيات نظام القائمة المغلقة التى لا تناسب ابدا التركيبة السياسية والاجتماعية والثقافية المصرية، فهى لا تنجح إلا فى الأنظمة التى تقودها أحزاب كبيرة لها برامج قوية تجبر الناخب على التصويت لها.
وإن كان لا بد من القائمة كدواء مر نتجاوز به ظروفنا السياسية والاقتصادية الصعبة؛ فكان حريا بالنظام أن يختار القائمة النسبية فهى اخف وطأة من المغلقة، التى تغلق قنوات المشاركة لصالح فئة لا يعرفها الشعب ولا يريدها ولا يثق بها.
إن العزوف عن المشاركة أمر خطير يجب دراسته وإزالة أسبابه، وتلك مهمة الأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى والجامعات وغيرها من منابر التنوير السياسى والثقافى والإجتماعى وليست مهمة الدولة وحدها أو النظام.
لقد نجح المواطن الذى خرج وشارك؛ ليثبت حسن نيته فى تقوية العصب السياسى للوطن وتحسين صورة مصر فى الخارج، كما نجح المواطن الذى لم يشارك، فى أن يصفع بعض الأحزاب ونواب المصالح؛ لعلهم يستيقظون وينزلون إلى الجماهير والشارع، على مدار العام وليس أيام الانتخابات فقط.
Samysabry19@gmail.com