توبكُتّاب وآراء

خالد إدريس يكتب لـ «30 يوم» : البلوجرز.. ثروات مشبوهة وأدوار خفية

فى السنوات الأخيرة، اجتاحت منصات التواصل الاجتماعى خاصة «تيك توك» موجة من المحتوى التافه والمبتذل الذى يقدمه ما يُعرف بـ«التيك توكرز» و«البلوجرز»، الذين تحولوا فى وقت قصير إلى نجوم يتصدرون المشهد، وحققوا أرباحًا طائلة بمحتوى لا يحمل أى قيمة، بل أحيانًا يسىء للمجتمع والأخلاق والهوية المصرية.

الأسئلة التى يطرحها الشارع المصرى وتدور فى الأذهان كثيرة: كيف جمع هؤلاء هذه الثروات؟ من يموّلهم؟ ولماذا هم بالذات؟ كيف تحول بعضهم من أشخاص عاديين لا يملكون شيئًا إلى أثرياء يمتلكون سيارات فارهة وشققًا فى أرقى الأماكن؟ هل هى إعلانات فقط؟ أم أن هناك ما هو أخطر، مثل عمليات غسيل أموال تتم تحت غطاء «المحتوى الرقمى»؟

الحديث عن غسيل الأموال لم يعد اتهامًا مرسلًا، بل بدأ يظهر فى تحقيقات وجهات رقابية ترصد تدفق الأموال على حسابات هؤلاء من مصادر غير معلومة، وبمبالغ لا تتناسب مع طبيعة محتواهم أو عدد متابعيهم. وهو ما يفتح الباب أمام احتمالية استغلال هذه المنصات كأداة لتمرير أموال مشبوهة تحت مظلة شرعية زائفة.

الخطير أن أغلب هؤلاء لا يقدمون شيئًا نافعًا، بل يسيئون لصورة الشعب المصرى بعرض أنماط منحطة من السلوك، وعرض حياتهم الشخصية بطريقة مبتذلة، وأحيانًا عبر فضائح جنسية وألفاظ خادشة. كل هذا يصب فى تشويه الوعى الجمعى، وتفكيك القيم، وتشجيع النماذج السلبية، وتقديم المصريين بصورة تتنافى مع الواقع لأن هذه النماذج لا تمثل غالبية المجتمع بل لا تعد رقمًا إذا قررنا تقسيم المجتمع المصرى إلى نسب وأرقام.

ويزيد القلق عندما يتصدر مخابيل وتوافه المشهد باعتبارهم ضمن القوى الناعمة، وعلى سبيل المثال عملية استدعاء مطربى المهرجانات لإحياء حفلات خارج مصر، وكأن هناك من يسوّق متعمدًا صورة مشوّهة لمصر، ضمن محاولات تقزيم قواها الناعمة، وتهميش الأصوات الحقيقية والشخصيات المؤثرة التى تمثل الفن والثقافة المصرية الأصيلة، والتى تعد امتدادًا لأجيال رائدة فى كافة المجالات الثقافية والأدبية والعلمية والصحية والفنية والرياضية والسياسية والاقتصادية والتى وصلت بمصر إلى درجة من الريادة والتميز لا يمكن تجاوزها على الأقل عربيًا.

الأمر يتطلب تدخلًا سريعًا من الجهات المختصة، وعلى رأسها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، ووزارة الداخلية، ووحدة غسيل الأموال بالبنك المركزى، للتحقيق فى مصادر تمويل هؤلاء، ووضع ضوابط صارمة لمحتوى السوشيال ميديا.

كما يجب أن تكون هناك حملات توعية داخل المدارس والجامعات تحصّن الشباب ضد هذه النماذج الزائفة، وتعيد تسليط الضوء على النماذج الملهمة والمبدعة التى تستحق التقدير والمتابعة.

بات من المؤكد أن ما يحدث على السوشيال ميديا ليس عبثًا، بل هو جزء من حرب ناعمة تستهدف العقول والهوية والذوق العام، ومن الخطأ الاستهانة به. المواجهة تبدأ بإرادة رسمية، ومجتمع واعٍ يرفض هذه الرداءة، ويلفظ النماذج السيئة التى تفسد الذوق العام ولا يساعد فى دعمها بالمتابعة والمشاهدة، ويُعيد الاعتبار للقيم والمعرفة والفن الراقى، لتظل مصر كما هى رائدة متفردة فى كل المجالات رغم كيد الكائدين وحقد الحاقدين.

Khalededrees2020@gmail.con

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى