إبراهيم الدراوي يكتب لـ « 30 يوم» : سيناريوهات النجاح والفشل .. هل يستطيع الجيش الإسرائيلي احتلال قطاع غزة بالكامل

كيف يمكن لجيش يمتلك تفوقًا عسكريًا ساحقًا، كحال الجيش الإسرائيلي، أن يواجه صعوبات جمّة في فرض سيطرة كاملة ومستدامة على قطاع غزة الذي لا تتجاوز مساحته 365 كيلومترًا مربعًا؟ وهل تكفي القوة العسكرية وحدها لتحقيق أهداف استراتيجية طويلة الأمد في بيئة معقدة ومتشابكة مثل غزة، حيث تتداخل الأبعاد العسكرية بالسياسية والإنسانية؟
الجيش الإسرائيلي، بما يمتلكه من قدرات عسكرية متقدمة، قادر نظريًا على فرض سيطرة عسكرية على قطاع غزة، ومع ذلك، فإن تحقيق السيطرة الكاملة والمستدامة يواجه تحديات معقدة تشمل أبعادًا عسكرية، سياسية، اقتصادية، وإنسانية، هذا التقرير يستعرض السيناريوهات المحتملة والعوائق التي قد تعترض هذا الهدف، مع التركيز على جدوى العملية وتداعياتها.
قدرات عسكرية
من الناحية العسكرية، يمتلك الجيش الإسرائيلي تفوقًا نوعيًا في التسليح، بما يشمل القوات الجوية، الدبابات، وأنظمة المراقبة المتطورة، عملية برية واسعة النطاق، مشابهة لعمليات سابقة كـ الرصاص المصبوب 2008-2009 أو الجرف الصلب 2014، يمكن أن تسيطر على المحاور الرئيسية وتقطع خطوط إمداد الفصائل المسلحة.
لكن غزة، بكثافتها السكانية العالية التي تتجاوز 5.500 نسمة لكل كيلومتر مربع، تشكل بيئة حضرية معقدة، فالأحياء المكتظة وشبكة الأنفاق تحت الأرض تمكّن المقاتلين المحليين من تنفيذ حرب عصابات فعالة، مما يعيق السيطرة الميدانية الكاملة؛ كما أن الفصائل المسلحة، تمتلك صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، وتظهر مرونة تكتيكية استنادًا إلى تضاريس القطاع ودعم محلي.
التجربة التاريخية، بين 1967 و2005، تكشف عن تكلفة بشرية ومادية باهظة للاحتلال طويل الأمد؛ فالمقاومة المستمرة، التي تتغذى على الاستياء الشعبي والظروف الاقتصادية المتردية نتيجة الحصار، تجعل الحفاظ على السيطرة استنزافًا دائمًا للقوات.
سياسيًا، تواجه العملية عقبات دولية كبيرة؛ كما أن احتلال غزة سيثير انتقادات حادة من الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، التي قد تصف العملية بانتهاك القانون الدولي، خاصة إذا أدت إلى خسائر مدنية كبيرة.
الضغط الدبلوماسي من حلفاء مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قد يحد من نطاق العملية، حيث تسعى هذه الدول إلى تجنب تصعيد إقليمي؛ كما أن الإعلام العالمي سيسلط الضوء على الدمار والمعاناة الإنسانية، مما يعزز الرواية المناهضة لإسرائيل ويزيد من عزلتها الدولية.
داخليًا، قد يواجه القرار مقاومة من الرأي العام الإسرائيلي، الذي يخشى التكلفة البشرية والاقتصادية لعملية طويلة الأمد؛ واقتصاديًا، تتطلب السيطرة على غزة موارد ضخمة، سواء لنشر القوات أو لإدارة القطاع بعد الاحتلال؛ كما أن إعادة بناء البنية التحتية المدمرة، كالمدارس والمستشفيات، ستضيف أعباء مالية إضافية، التجربة التاريخية تشير إلى أن تكلفة الاحتلال قد تفوق الفوائد الاستراتيجية، خاصة في غياب أفق سياسي واضح.
استراتيجيًا، حتى لو نجحت العملية عسكريًا، فإنها قد لا تحقق الأمن المستدام. القضاء على تهديد الفصائل المسلحة يتطلب معالجة الأسباب الجذرية، مثل الحصار الاقتصادي وتدهور الأوضاع المعيشية. بدون حل سياسي شامل، ستظل السيطرة مؤقتة، مع احتمال تجدد المقاومة؛ كما أن الاحتلال قد يشعل جبهات أخرى، كالضفة الغربية أو الحدود مع لبنان، مما يوسع الصراع.
سيناريو السيطرة الجزئية، مثل التركيز على الحدود أو ممر فيلادلفيا، قد يقلل من التكلفة، لكنه يترك جيوبًا للمقاومة ويحد من فعالية العملية، أما محاولة إعادة إنشاء إدارة مدنية إسرائيلية في غزة، كما كان قبل 2005، فتبدو غير واقعية بسبب نقص الدعم السياسي الداخلي والدولي، إلى جانب المخاطر الإنسانية.
موقف المقاومة
المقاومة الفلسطينية، ستتبنى استراتيجية صلبة ومرنة في مواجهة أي محاولة إسرائيلية للسيطرة الكاملة على قطاع غزة، تستند هذه الاستراتيجية إلى خبرتها التاريخية في مواجهة العمليات العسكرية، مثل “الرصاص المصبوب” و”الجرف الصلب”، حيث أظهرت قدرة على الصمود عبر حرب العصابات واستغلال التضاريس الحضرية.
تمتلك المقاومة ترسانة صاروخية، رغم محدوديتها مقارنة بالتفوق الإسرائيلي، وشبكة أنفاق معقدة تتيح لها المناورة وتنفيذ هجمات مفاجئة، هذا الإطار يمكّنها من إطالة أمد الصراع، مما يزيد من تكلفة الاحتلال على الجيش الإسرائيلي، سواء بالخسائر البشرية أو استنزاف الموارد.
من الناحية الشعبية، تستمد المقاومة قوتها من دعم السكان المحليين، الذين يعانون من الحصار الاقتصادي وظروف معيشية قاسية، هذا الدعم يعزز قدرة الفصائل على حشد المقاتلين والحفاظ على الروح المعنوية، حتى في ظل الدمار الذي قد ينجم عن عملية عسكرية.
المقاومة ستركز على استهداف القوات الإسرائيلية داخل الأحياء المكتظة، مستفيدة من الكثافة السكانية لتعقيد العمليات البرية، كما ستسعى لتصعيد إطلاق الصواريخ نحو الأراضي الإسرائيلية للضغط على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، مما قد يدفع إسرائيل إلى تقليص نطاق عملياتها أو البحث عن تسوية.
سياسيًا، ستسعى المقاومة إلى استغلال السياق الدولي لتعزيز موقفها، أي عملية إسرائيلية واسعة النطاق ستؤدي إلى خسائر مدنية، مما يغذي الرواية الفلسطينية في الإعلام العالمي ويزيد الضغط الدبلوماسي على إسرائيل.
الفصائل ستحاول الاستفادة من دعم قوى إقليمية، مثل إيران أو قطر، لضمان إمدادات لوجستية أو تمويل لإعادة بناء قدراتها، كما قد تسعى لتوسيع الصراع إلى جبهات أخرى، مثل تحفيز التوتر في الضفة الغربية، لتشتيت القوات الإسرائيلية وتوسيع نطاق الضغط.
في المدى الطويل، ستركز المقاومة على استراتيجية الصمود بدلًا من الانتصار العسكري المباشر، مدركة تفوق إسرائيل التكنولوجي.
هدفها سيكون إفشال السيطرة الإسرائيلية من خلال إطالة الصراع ورفع تكلفته، مع الرهان على أن الضغوط الداخلية والدولية ستجبر إسرائيل على التراجع، هذا النهج يعكس تصور المقاومة بأن السيطرة الكاملة على غزة ليست مستدامة لإسرائيل، مما يعزز إصرارها على المواجهة طالما استمر الصراع دون حل سياسي يعالج جذوره.
مواقف متعددة
في حال أقدمت إسرائيل على احتلال كامل لقطاع غزة، فإن الموقف الإقليمي سيكون معقدًا ومشحونًا، متأثرًا بالمصالح الاستراتيجية والتوازنات السياسية للدول المجاورة؛ والدعم قد يصعد التوترات مع إسرائيل ويوسع الصراع، فيما ستعزز مصر وجودها الأمني لمنع تدفق اللاجئين أو الأسلحة، مع الضغط من أجل تهدئة لتجنب زعزعة استقرارها الداخلي.
دول الخليج، مثل السعودية والإمارات، ستواجه معضلة بين مصالحها الاستراتيجية مع إسرائيل، خاصة في مواجهة إيران، وبين الضغط الشعبي الداعم للقضية الفلسطينية؛ وقد تكتفي هذه الدول ببيانات دبلوماسية تدعو إلى ضبط النفس، مع تجنب التصعيد المباشر.
قطر، التي تملك علاقات مع حماس وإسرائيل على حد سواء، قد تلعب دور الوسيط، مستفيدة من قنواتها الدبلوماسية لتقديم مساعدات إنسانية أو التوسط لوقف إطلاق النار.
تركيا، بدورها، ستتبنى خطابًا مناهضًا لإسرائيل بقوة، مستغلة الموقف لتعزيز مكانتها كمدافعة عن القضية الفلسطينية، لكن تدخلها العملي سيبقى محدودًا بسبب قيود الناتو ومصالحها الإقليمية.
على الصعيد الدولي، ستثير العملية ردود فعل حادة؛ فالأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان ستندد بالخسائر المدنية، التي ستكون حتمية في بيئة مكتظة كغزة، وقد تتهم إسرائيل بانتهاك القوانين الدولية.
الولايات المتحدة، الحليف الرئيسي لإسرائيل، ستوفر غطاء سياسيًا وعسكريًا، لكنها ستواجه ضغوطًا داخلية من تيارات ليبرالية وجماعات حقوقية، خاصة إذا طال أمد الاحتلال أو تضخمت الخسائر المدنية.
قد تدعو واشنطن إلى ضبط النفس لاحتواء التوترات، مع الحفاظ على دعمها الاستراتيجي لإسرائيل، الاتحاد الأوروبي سيعبر عن قلقه، داعيًا إلى حل دبلوماسي، لكنه سيظل منقسمًا بسبب اختلاف مواقف الدول الأعضاء، مثل دعم ألمانيا القوي لإسرائيل مقابل مواقف أكثر انتقادًا من دول مثل إسبانيا.
روسيا والصين ستستغلان الوضع لتعزيز مواقفهما ضد الهيمنة الغربية، مدينتين إسرائيل وداعمتين الرواية الفلسطينية في المحافل الدولية، قد تقترحان قرارات في مجلس الأمن، لكنها ستواجه الفيتو الأمريكي.
الرأي العام العالمي، مدفوعًا بصور الدمار في غزة، سيزيد الضغط على إسرائيل، مع احتمال تنامي حركات المقاطعة بشكل عام، الموقف الدولي سيميل إلى إدانة الاحتلال، مما يعزز عزلة إسرائيل دبلوماسيًا، بينما الموقف الإقليمي سيبقى منقسمًا بين الدعم الضمني لإسرائيل من بعض الدول والدعم الشعبي والسياسي للمقاومة من دول أخرى، مما يجعل السيطرة الكاملة تحديًا دبلوماسيًا بقدر ما هو عسكري.
نعم؛ الجيش الإسرائيلي قادر على فرض سيطرة عسكرية مؤقتة على غزة، لكن السيطرة الكاملة والمستدامة تواجه تحديات هائلة تجعلها غير عملية بدون استراتيجية سياسية شاملة، التاريخ يشير إلى أن العمليات العسكرية وحدها لا تكفي لتحقيق استقرار دائم في بيئة معقدة كغزة.