د. أمل رمزي تكتب لـ «30 يوم» : مصر تواجه حروبًا مركبة

ما تمر به مصر الآن ليس جديدا لكنه يدخل مرحلة أكثر فجاجة وخطورة، تستهدف أول ما تستهدف جبهة الداخل وثقة المصريين فى دولتهم وبنيانهم الصلب، إنها ليست مواجهة مسلحة، ولا حربا تقليدية تُدار بالصواريخ والطائرات، بل هى حرب عقول ووعى تشنها أطراف خارجية تملك أجندات مشبوهة وتغذيها من الداخل مجموعات مأجورة فقدت انتماءها وتحولت إلى أداة في يد من يدفع أكثر.
الهدف واضح ومعلن وهو النيل من صلابة الدولة المصرية، عبر اختراق ساحة الوعى الجماهيري، وبث التشكيك فى كل تحرك، والطعن فى كل إنجاز وخلق أزمات مصطنعة، عبر مشاهد مجتزأة أو معلومات منزوعة السياق يعاد تدويرها وتقديمها على أنها حقائق دامغة، بينما لا علاقة لها بالواقع إلا فى أذهان من صنعوها.
ولأن جيش مصر هو عمود خيمتها، يتصدر المشهد مرة أخرى، سواء بالدور الميدانى فى تأمين الحدود أو بالدور الإنسانى الذى تتولاه القوات المسلحة فى إنفاذ المساعدات إلى الأشقاء فى غزة، رغم التحديات، ورغم الأكاذيب الممنهجة التى تُسوّق زورا أن مصر تغلق معبر رفح، والحقيقة أن مصر هى أول من وقف إلى جوار الشعب الفلسطينى وستبقى كذلك دون انتظار لشكر أو اعتراف.
وفى الخلفية يدير الرئيس عبد الفتاح السيسى معركة دبلوماسية شرسة، لا تقل ضراوة عن ميادين القتال، لتثبيت الموقف المصرى الداعم لحل الدولتين ورفض التهجير القسرى، والعمل من أجل وقف إطلاق النار ، تحركات مكثفة واتصالات لا تهدأ يقودها الرئيس من موقع المسئولية وبدافع من عقيدة سياسية ترى أن أمن مصر لا ينفصل عن استقرار محيطها.
لكن فى مواجهة هذا الجهد، هناك ماكينة إعلامية موازية تعمل بلا هوادة لتقويض الثقة لا فى النظام فقط، وإنما فى فكرة الدولة ذاتها وذلك عبر تسريبات وفيديوهات قديمة، ومنشورات موجهة، كلها تخرج من مطبخ واحد، تديرها عقول تعرف جيدا أين تضرب ومتى. والأدهى أن بعضا من أبنائنا ممن يُفترض أنهم على وعي، يسهمون عن جهل أو قصد فى ترويج هذه المواد السامة.
وللأسف يغيب صوت النخبة العقلانية، ويصمت بعض من يفترض أنهم حماة الاستنارة والرأى العام، تاركين الساحة مفتوحة لأبواق الفوضى فالحياد فى مثل هذه اللحظات ليس من الشرف فى شيء، بل هو تواطؤ بالصمت وتفريط فى الواجب الوطنى.
مصر تواجه حربا مركبة تستهدف إرادتها قبل اقتصادها، وثقتها الداخلية قبل أمنها الخارجى ، وإذا كانت سنوات الإصلاح قد حملت المواطن فوق طاقته، فإن الدولة فى المقابل مضت فى طريق البناء، وأعادت رسم خريطة البنية التحتية، ووضعت الأسس لجمهورية جديدة، لا تزال فى طور التشكل، لكنها تقف على أرض صلبة.
الرهان الحقيقى الآن هو على وعى هذا الشعب، الذى صمد كثيرًا، وواجه ما هو أقسى، ولم تنكسر إرادته يومًا. فالمصريون، عندما تشتد العواصف، يعرفون موقعهم من الوطن ويختارون الوقوف خلفه، لا الهروب منه.
كونوا على ثقة أن مصر ستبقى كما عهدناها، بلدا عصيا على السقوط ووطنا لا يُباع ولا يُشترى لأن شعبه لم يتخل عنه يوما ولأن قيادته تعرف طريقها وسط العتمة، وتحمل البوصلة فى اتجاه صحيح وإن تأخرت النتائج قليلاً.
حفظ الله مصر جيشا وشعبا وقيادة.