سألت فيروز ابنها زياد بعد هجر طويل” كيفك انت” فكتبها ولحنها أغنية

كتب: باسم العاصي
كشفت مصادر مقربة، أنّ السيدة فيروز قابلت ابنها زياد الرحباني، بالصدفة في لبنان بعدما هجرها وهو في ريعان شبابه 25 عاما تقريبا ليتزوج حبيبته دلال كرم، وفي أول لقاء قالت له: “كيفك انت”، لتكون الرائعة التي كتبها زياد من وحي سؤال والدته عنه لحن زياد الأغنية، وعرضها على فيروز لكنها ترددت وظلت 4 سنوات تتحفظ على غنائها.
كلمات الأغنية التي كتبها ولحنها زياد الرحباني:
بتذكر آخر مرّة شفتك سنتا؟
بتذكر وقتا آخر كلمة قلتا؟
وما عدت شفتك وهلّق شفتك
كيفك إنتَ؟ مَلّا إنتَ
بتذكر آخر سهره سهرتا عنّا؟
بتذكر كان في وحدة مضايق منّا؟
هيدي إمّي بتعتَل هَمّي
منّك إنتَ ملّا إنت
كيفك؟ قال عم بيقولو صار عندك ولاد
أنا والله كنت مفكّرتك برّات البلاد
شو بدّي بالبلاد الله يخلّي الولاد
إي كيفك إنتَ؟ مَلّا إنت
بيطلع عَ بالي إرجع أنا ويّاك
إنت حلالي إرجع أنا ويّاك
أنا وانتَ مَلّا إنت
بتذكر آخر مرّة شو قلتلّي
بدّك ضلّي بدّك فيكي تفلّي
زعلت بوقتا وما حلّلتا
إنّو إنتَ هيدا إنت
بترجع عَ راسي رغم العيَل والناس
إنت الأساسي وبحبّك بالأساس
بحبّك انت ملّا إنت
لا تستطيع العبارات التقليدية رسم صورة أقرب إلى الأصل لزياد رحباني، الذي يعد “ظاهرة” في كل شيء.
طفل عنيد
زياد الذي وُلد في 1 يناير 1956، بقي طفلا عنيدا يقول ما يجول بخاطره ولا يعبأ بأحد حتى وفاته في سن 69 عاما.
تمرد على الحدود والسلطات والتقاليد والعرف السائد حتى أنه كتب أول أغانيه “ظلي حبيني يا لوزية” في سن 14 عاما.
منذ ذلك اليوم ربما بدأت سخريته من كل ما يحيط به من قبح، فـ زياد كان غريبا عن عالمنا، كما لو أنه جاء من المستقبل.
كتب أغاني بعضها لا شبيه له، وعزف على البيانو وألّف المسرحيات وخرج صوته في كل هذا وذلك جريئا إلى أبعد الحدود في نقده الاجتماعي والسياسي، مغلفا بسخرية سحرية ولكن بكلمات من القاموس الشعبي البسيط.
لم يكن محل إجماع، وكما أحبه الكثيرون بدون شروط، كرهه كثيرون آخرون باحترام.
زياد لم يقدم فقط إبداعا فنيا جديدا لا يتواءم مع القوالب التقليدية والذائقة السائدة، بل وظهر هو نفسه مختلفا لا يمكن تصنيفه ووضعه في أي خانة معدة سلفا ما أن “شب عن الطوق” وخرج من “الشرنقة”.
لا يمكن أن يفهم زياد الرحباني أحد أكثر من زياد نفسه.
صوته مثل “هدير البوسطة” الشجي في ذاكرة مليئة بالأحزان والأشواق والتفاصيل الحميمة، على الرغم من أن كلماته تبدو أحيانا مليئة بأشواك مثل تلك المزروعة على ساق وردة.
في نقده الساخر كما في كلمات أغانيه “المتمردة” لا يخلو صوته من شجن ولوعة وحُرقة.
في تعليق مرير له يقول باللهجة اللبنانية الأنيقة وبصراحة “قاحلة”: “شعب بينو وبين التفاهم في سوء تفاهم”.
في مثال آخر يعلق ساخرا بأسلوب حواري قائلا: “مات وعطاني عمرو.. أنا عمرو شو بدي في؟ أنا العمر اللي عليي مش عارف كفيه”!، وخلال الحرب الأهلية الدامية قال في إحدى تعليقاته في وصف الحال: “الوطن صار فندق… كل طائفة تسكن طابق”.
من سخريته السياسية قوله ذات يوم في عام 1985 خلال برنامج إذاعي: “عقول قادتنا انتهت – مثل اللبن”، العبارة حذفت لكنها تسربت إلى الشارع وأصبحت لسان حال البعض.
سُئل في إحدى المناسبات عما إذا ان يخشى من ردود فعل عنيفة، فأجاب بطريقته الخاصة: “موسيقاي لبنانية – تماما مثل فسادنا: مصدرها محلي”.
من تعليقاته الساخرة اللافتة أيضا قوله إن “الإنسان متى عرف الحقائق سقط عن سرير الأحلام”.
وقال في سياق مماثل وبأحاسيس مليئة بالشكوك والأشواك: “حائرٌ أنا بين أن يبدأ الفرح وألاّ يبدأ مخافةَ ينتهي”.
تظهر شخصية زياد الرحباني بوضوح تام في كلمات أغانيه وفي تعليقاته الساخرة ولا أحد يستطيع أن يرسم له “بورتريه” حقيقي بأي كلمات دخيلة. من أمثلة ذلك قوله: “ليتهما يعرفان أن لحظه العمر الأخيرة قد تنزل علينا تأخذنا ونحن نتخاصم”، من هنا جاء البعض بوصفه أنه “المؤرخ الساخر” لتاريخ لبنان الحديث.
قالوا عنه
عن عبقريته وإبداعه الخاص المميز، قال لبنان بعلبكي، قائد الأوركسترا الوطنية اللبنانية: “تشعر وكأنك ببساطة عاجز عن فهم بعض أعمال زياد، أو حتى عن كتابة شيء يشبهها”.
أما المايسترو توفيق معتوق فيصف موسيقى زياد رحباني بأنها “صوت منحوت من روح لبنان”، تجسد فيه صمود الأمة وروح الدعابة والذاكرة الجماعية.
لقد كسر جميع القواعد.. شقّ طريقا استلهم منه عدد لا يحصى من الفنانين، بمن فيهم أنا.
كانت موسيقاه مؤثرة ومليئة بالفكاهة في آن واحد”، هذا ما قالته عنه المغنية وكاتبة الأغاني اللبنانية الأمريكية ميساء قرعة.
بعض المؤلفين الموسيقيين اعتبر زياد الرحباني قدورة.
قال الملحن الإماراتي إيهاب درويش: “لقد علّمني مزج الأنواع الموسيقية وضمان أن تروي الموسيقى قصة. أسلوبه السردي يتردد صداه بعمق في أعمالي”.
والمغنية والممثلة اللبنانية لارا راين تطرقت إلى جانب آخر في شخصية زياد الرحباني بقولها: “كان ليعزف في كل مكان مجانا”، كي يضمن وصول الفن إلى الجميع.
الصورة التي قد تكون أكثر قربا، ظهرت ربما في الفيلم الوثائقي الذي أعده الصحفي والإعلامي اللبناني جاد غصن وحمل عنوان “زياد الرحباني من بعد هالعمر”، حيث لم يوفر في نقده “الجريء” أي أحد، وظهر متحديا، كما لو أنه يرفع إصبعه الوسطى.
انهيار ماجدة الرومي
شهدت مراسم تشييع الموسيقار زياد الرحباني لحظة مؤثرة، حيث انهارت الفنانة ماجدة الرومي من البكاء عند لقائها بالسيدة فيروز، وجثت على ركبتيها وقبّلت يدها، وسط صمت مهيب في صالون كنيسة رقاد السيدة ببكفيا.
