توبكُتّاب وآراء

حمدي رزق يكتب : موسم التحاريق السياسية ؟!

من المفاهيم الجغرافية، (التحاريق)، ومنها موسم التحاريق أو (شمون سيم) باللغة المصرية القديمة، وهي الفترة التي ينخفض فيها منسوب مياه النيل، وتمتد من نهاية فيضانه حتى بداية الفيضان التالي.. وذلك قبل التخزين الدائم ببحيرة السد.
اشتقاقا لغويا، في مواسم “التحاريق السياسية”، ومع انخفاض منسوب الوطنية في نهر الوطن الجاري، تظهر الأشياء التي كانت مخفية تحت سطح الماء، ويدلل عليها المثل الشعبي البليغ “إذا جفت البركة بانت ضفادعها” يُقال ليدل على أن الأشياء تتكشف وتظهر حقيقتها عندما تزول الأسباب التي كانت تخفيها.
وما أكثر الضفادع التي بانت في بلادنا هذه الأيام، تسمع نقيقها في الفضاء الإلكتروني تخلف ضجيجا، يسبب صمما في الأذان، طبيا الصوت العالي يمكن أن يسبب فقدانًا للسمع (صممًا) سيما عند التعرض المتكرر أو المطول لمستويات صوت مرتفعة، يمكن أن يؤدي إلى تلف الخلايا الحسية في الأذن الداخلية، مما يؤثر على قدرة الشخص على السمع.
لا يغادر مخيلتي هذه الأيام، مشهد محاكمة والي عكا الخائن، في فيلم “الناصر”، يخاطب صلاح الدين ( أحمد مظهر)، والي عكا الخائن، (توفيق الدقن) في محاكمة تاريخية، باتهامات تترجمها كلمات كالسهام المصوبة تصيب القلب مباشرة..
” فأصبح قلبك كمدينة بلا أسوار منذ نسيت الحب، كرهت بلدك وعروبتك فهان عليك أن تسلم عكا، ودفعك حقدك إلى أن ترتمي بين أحضان الغزاة، ونسيت تقاليد الفروسية، ونسيت تقاليدنا المجيدة أن احبوا الناس يرحمكم الله “.
ويستطرد ؛ ” الحقد في حياتك طرد الحب فلعنت، لا.. ولكنك لا تعلم انه بقتلك للحب تودي بنفسك وبمن حولك إلى الهلاك ، لا تحرر بغير الحب ، ليمحو الحقد من العالم .. من أجل ذلك يا عدو الله نرى أن تنال عقاب المفسدين، وما عقاب الذين يخونون الأمانات ويكيدون لإخوانهم ويفسدون في الأرض إلا أن يقتلوا.. اقتلوا الخائن” ) .
كم ضفدع ذي نقيق أطل برأسه من تحت الماء الأسن، كم خائن لوطنه جاوزت خيانته خيانة والي عكا، تسمع نقيق الضفادع فضائيا وإلكترونيا تحدث جلبة في الأجواء، كريهه الضفادع على فطرتها، كريهه وجوه الخيانة على خيانتها.
لا نخون قط شريفا قال ربي الله ثم استقم وطنيا، صحيح أفة حارتنا التخوين، وسهام التخوين تشكل غيمة سوداء في سماء الوطن، ولكن خيانة هؤلاء الضفادع الناعقة جاوزت المدي ، الضفادع الناعقة مصطلح يستخدم لوصف أنواع معينة من الضفادع التي تصدر أصواتًا قبيحة!
الخيانة هي نقض العهد، أو الأمانة، أو الثقة ، يمكن أن تتخذ الخيانة أشكالًا مختلفة، مثل خيانة الأمانة، أو خيانة الصداقة، أو خيانة الزوجية، أو خيانة الوطن، وهذه لكبيرة الكبائر.. مثل والي عكا الخائن، مثل الذي خان وطنه وباع بلاده، مثل الذي يسرق من مال أبيه ليطعم اللصوص، فلا أبوه يسامحه ولا اللص يكافئه، باء بغضب الوالد، ولم يرض عنه اللص، يحتقره لخيانته، ولا يأتمنه علي مال ولا عرض ولا نفس، من يخون يرسم خائنا لا تغسله من خطاياه مياه النهر الجاري.
في مواسم التحاريق السياسية، يرتسم الضفدع بطلا، ويسمع نقيقه الضفادع على شاكلته، يهللون ويصفقون، ويأنف نقيقه الطيبون الذين لا يرتضون عن الوطن بديلا..
لسان حال الشارع في مواجهة هؤلاء ” أنا الشعب .. أنا الشعب.. لا أعرف المستحيلا ولا أرتضي بالخلود بديلا”، (من كلمات قصيدة علي باب مصر لكامل الشناوي وألحان محمد عبّد الوهاب وغناء كوكب الشرق أم كلثوم).
لا عاش من خان الوطن ولا ارتفع له صوت، ويظل سلعة فاسدة في السوق لا تباع ولا تشتري، وهؤلاء سلعة بائرة في أسواق الخيانة، لا ثمن لهم، وإن ثمنوا ، فبثمن بخس، دولارات معدودة!
لماذا تنعق الضفادع، لماذا يخونون الوطن، لا تسألوا عن أشياء أن تبد لكم تسؤكم، وكما الأذية طبع، طبعه مؤذٍ، مفطور على الأذى، الخيانة طبع، مضروب بالخيانة، ويتباهى بخيانته في خيلاء، ويخون على رءوس الأشهاد، ويرتسم بخيانته على الناس، بت أخشى ما أخشاه أن يأتي اليوم الذي تصبح فيه الخيانة وجهة نظر!!
شيء من الخذلان يُلامس قلبي هذه الفترة، في مواسم التحاريق السياسية، ينبت شجر الحسك، أنواعًا مختلفة، أشهرها الحسك الأرضي (Tribulus terrestris) يُعرف باسم “شوك الأرض” أو “ضرس العجوز”. يُعرف بثماره الشائكة التي تشبه “الحسك”، يعتبر سامًا للماشية، خاصةً أوراقه التي تحتوي على مركبات “السابونين” كما أن ثماره الشائكة يمكن أن تسبب أضرارًا للجلد.. وعادة ما تداس بالأقدام فتجرحها، وهؤلاء ستدهسهم قافلة الوطن، الضفادع تنعق والقافلة تسير سيرا حسنا.
جبلوا علي الخيانة ، لأنهم كما قال صلاح الدين في محاكمة والي عكا الخائن، قلوبهم خاوية ، فأصبح قلبك (قلب الخائن) كمدينة بلا أسوار منذ نسيت الحب، كرهت بلدك فهان عليك أن تسلم وطنك للأعداء، ودفعك حقدك (حقد الخائن) إلى أن ترتمي بين أحضان الأعداء، ونسيت تقاليدنا الوطنية، ونسيت تقاليدنا الموروثة.. أن احبوا الناس يرحمكم الله.

نقلا عن الأهرام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى