محللون سياسيون : اهتمام ترامب بـ سد النهضة محاولة للضغط على مصر

في أقل من شهر تحدث الرئيس الأمريكي 3 مرات عن سد النهضة الذي شيّدته إثيوبيا على مجرى النيل الأزرق، ما أدى إلى تعقيد عملية وصول المياه إلى مصر.
ضرب عدة عصافير وليس عصفورين
لم تكن هذه المرة الأولى التي يخوض فيها ترامب في هذا الملف، بل هي المرة الثالثة في فترة زمنية قصيرة، فبينما رحب البعض بهذه الخطوة والضغط الأمريكي على إثيوبيا ، رأى البعض الآخر أنها محاولة للضغط على مصر، ورأى فريق ثالث بأنها تصريحات هدفها تأجيح الصراع بين مصر وإثيوبيا بشكل مبطن للاستفادة في النهاية من هذا الصراع وتحقيق صفقة ترامبية كعادته، والتربح من هذا الصراع المتوقع في حال عدم تفهم إثيوبيا لوجهة نظر مصر العادلة.
ورأى فريق رابع أن تصريحات ترامب في هذا التوقيت لضرب عدة عصافير وليس عصفورين بحجر واحد فربما يهدف من خلالها للضغط على إثيوبيا لقبول الفلسطينين المزمع تهجيرهم ضمن خططه بعد أن تردد مؤخرا ترشيح 3 دول منها إثيوبيا لاستقبال الفلسطينين من قطاع غزة.
صدمة إثيوبية
و أثارت في الوقت نفسه تصريحات الرئيس الأمريكي، صدمة واسعة في الأوساط الإثيوبية بحسب صحيفة “ذا ريبورتر” الإثيوبية، التي قالت إن ترامب وُجهت له اتهامات بالانحياز الصريح لموقف مصر في النزاع حول مياه النيل.
وبحسب الصحيفة، أعرب إثيوبيون عن قلق بالغ إزاء ما وصفوه بتصريحات غير مبررة بحق سد النهضة، الذي تعتبره أديس أبابا مشروعًا سياديًا وطموحًا حيويًا لانتشال البلاد من الفقر وتحقيق التنمية، في مقابل مخاوف مصر من أن السد قد يهدد حصتها من مياه النيل التي تعتبر حقًا تاريخيًا.
وفي تصريحات لصحيفة “ذا ريبورتر”، وصف فقه أحمد نقاش، المدير التنفيذي السابق لمكتب إقليم النيل الشرقي الفني التابع لمبادرة حوض النيل، تصريحات ترامب بأنها “تحريضية ولا يمكن تجاهلها”، مشيرًا إلى أنها تعكس “انحيازًا صارخًا” لصالح مصر.
وقال فقه أحمد، الذي شغل سابقًا منصب مدير شؤون الأنهار العابرة للحدود بوزارة المياه الإثيوبية، إن ترامب يحمل ضغينة ضد إثيوبيا منذ رفضها الانصياع لجهوده الذاتية للتوسط بينها وبين مصر قبل ثماني سنوات خلال فترته الرئاسية الأولى، مشيرًا إلى أن المصريين نجحوا في دفعه إلى تبني موقف يطالب إثيوبيا بالتوقيع على اتفاق ملزم مع مصر والسودان بشأن سد النهضة.
وأكد فقه أن إثيوبيا لا يمكنها ولا ينبغي لها أن توقع مثل هذا الاتفاق، موضحًا أن ذلك سيُقيد احتياجاتها التنموية طويلة الأجل باستخدام مواردها الطبيعية داخل أراضيها.
مكاسب شخصية
و يقول محللون سياسيون إن تصريحات ترامب بشأن سد النهضة لا يمكن فصلها عن أجندته السياسية الخاصة، فـ ترامب يُقحم نفسه في الملفات الدولية بهدف تحقيق مكاسب انتخابية أو شخصية، وليس بدافع المصلحة العامة أو رغبة حقيقية في حل الأزمات.
و ترامب يتصور قدرته على استخدام ذكائه وعلاقاته التجارية والسياسية لتسويق نفسه كصانع صفقات، لكن له أهداف خفية، خاصة تلك التي تصب في مصلحة الجماعات الصهيونية التي دعمته، وتخدم مشروع إسرائيل الكبرى.
فجميع الملفات التي يلوح بها ترامب – من غزة إلى إيران وسوريا ولبنان – تصب في اتجاه الضغط الإقليمي لصالح إسرائيل.
وما يحدث في غزة من حرب وتجويع، أو في ملف التهجير إلى سيناء، أو حتى في استخدام ورقة سد النهضة، كلها أدوات ضمن هذا المخطط الأشمل الذي يخدم الأجندة الإسرائيلية.
و ترامب يسعى لاستخدام ملف سد النهضة كورقة ضغط جديدة ضد القاهرة، خاصة بعد فشل محاولاته في تمرير خطة تهجير الفلسطينيين إلى سيناء.
فهو يكرر عادته بإلقاء اللوم على إدارة بايدن في جميع الملفات، ويحرص على الظهور بمظهر رجل السلام والمنقذ، رغم أنه لم ينجح في الوفاء بوعوده السابقة سواء في أوكرانيا أو قطاع غزة!.
ولا يمكن الوثوق بوعود ترامب، بعد أن وعد بحل الصراع الروسي الأوكراني خلال 24 ساعة من توليه السلطة، إضافة لتعهده بإنهاء الأزمة في غزة خلال أيام، لكنه لم يتمكن من تنفيذ أي من تلك التعهدات.
وتساءل المحللون: “أين كان ترامب حين كانت أزمة سد النهضة تتفاقم خلال ولايته الأولى؟ لم يتخذ أي خطوات حقيقية في هذا الملف، رغم أنه كان رئيسًا لمدة أربع سنوات.
اليوم، يريد أن يُقنع العالم بأنه استيقظ فجأة ليتخذ موقفًا داعمًا لمصر؟! هذا غير منطقي.
وما يهم ترامب صورته أمام الناخب الأمريكي، ومصالحه الشخصية، وليس مصلحة مصر أو الفلسطينيين أو أي قضية دولية، فهو يستخدم الملفات الدولية لتسويق نفسه داخليًا، ويُحرك أوراقًا مثل سد النهضة فقط لخدمة أجندته، وليس بهدف الوصول إلى حلول حقيقية.
تصريحات متناقضة
و قال الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية والمحلل السياسي المتخصص في الشؤون الدولية، إن تصريحات ترامب حول سد النهضة تتسم بالتناقض، وتوجه رسائل متضاربة إلى أطراف متعددة، من مصر إلى إثيوبيا، مرورًا بمنطقة القرن الإفريقي والقارة الإفريقية بأسرها.
فهو لا يقدم مقاربة واضحة أو رؤية متكاملة لحل الأزمة.
خطوات الحل الحقيقية
وطالب فهمي بالإجراءات العملية لحل هذا الملف ومنها، أن تلعب أمريكا لعب دور الوسيط المباشر في ملف سد النهضة، وإعادة تفعيل دور “إعلام واشنطن”، كما حدث في وساطة واشنطن خلال الأزمة اللبنانية الأولى.
والدعوة إلى عقد قمة ثلاثية في العاصمة الأمريكية تجمع مصر، إثيوبيا، والولايات المتحدة، وممارسة ضغوط حقيقية على الحكومة الإثيوبية للقبول بمشاركة مصر في إدارة وتشغيل السد.
وقال الدكتور فهمي، إن هذه الإجراءات هي التي يمكن البناء عليها إذا ما رغب ترامب أو أي طرف أمريكي في لعب دور فعلي في هذا الملف.
وعن عدم وجود رد فعل رسمي من إثيوبيا حتى الآن على تصريحات ترامب، قال فهمي : السبب يعود لغياب أي تحرك ملموس من جانب الإدارة الأمريكية.
وأضاف: حتى الآن، واشنطن لم تبلور موقفًا واضحًا، ولا تزال تتحرك بخطاب إعلامي غير مدعوم بتحرك دبلوماسي فعلي، وهذا هو السبب وراء استمرار تجاهل الجانب الإثيوبي .