توبكُتّاب وآراء

د. أمل رمزي تكتب لـ «30 يوم» : زيارة صينية بأبعاد استراتيجية

تُعد زيارة رئيس مجلس الدولة الصينى، «لى تشيانج»، إلى القاهرة واحدة من أهم المحطات فى تاريخ العلاقات المصرية الصينية، ليس فقط لأنها تأتى فى توقيت بالغ الدقة على المستويين الإقليمى والدولى، ولكن لأنها تؤسس لمرحلة جديدة من الشراكة الاستراتيجية بين بلدين يجمعهما احترام متبادل ورؤية مشتركة.

لقد عكس اللقاء الذى جمع الرئيس عبدالفتاح السيسى برئيس الوزراء الصينى الزخم المتزايد فى العلاقات الثنائية، وأكد أن القاهرة وبكين لا تكتفيان بإحياء ذكرى مرور سبعة عقود على بدء العلاقات الدبلوماسية بينهما، بل تسعيان إلى نقل هذا التاريخ إلى واقع أكثر تأثيرًا يخدم مصالح الشعبين.

هذه الزيارة لم تأت فى إطار المجاملات الدبلوماسية، بل حملت فى مضمونها رسائل اقتصادية وسياسية واضحة، خاصة فى ظل ما تم توقيعه من وثائق تعاون تعكس جدية الطرفين فى الدفع بالعلاقات إلى مستويات غير مسبوقة.

كما أن التوقيت يحمل دلالة استراتيجية، فى ظل متغيرات دولية تستوجب إعادة بناء التحالفات على أسس من التوازن والندية.

لا يمكن فصل هذا التحرك عن السياسة التى تنتهجها الدولة المصرية فى تنويع شراكاتها الدولية، وهى سياسة تنطلق من مبدأ تحقيق المصالح الوطنية دون الانخراط فى محاور أو تبعية.

وتُعد الصين نموذجا مثاليا لهذه الشراكة، إذ أثبتت خلال السنوات الأخيرة أنها شريك موثوق فى مجالات التنمية والبنية التحتية والتكنولوجيا.

وفى هذا السياق يبرز الدور الصينى فى دعم مشروعات كبرى داخل مصر، بدءًا من المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وصولًا إلى مجالات النقل الذكى والتحول الرقمى، وهى ملفات تتصدر أولويات الدولة المصرية فى سعيها نحو تحقيق تنمية شاملة ومستدامة.

ومن ناحية أخرى فإن إدراك الصين لمكانة مصر كمركز إقليمى محورى، ليس مجرد تقدير سياسى، بل استثمار فى موقع استراتيجى يربط بين قارات ثلاث، ويؤهل مصر لتكون منصة انطلاق لكثير من المبادرات الإقليمية والدولية، وهو ما يجعل القاهرة عنصرًا فاعلًا فى إعادة رسم خريطة الاقتصاد العالمي.

إن قراءة المشهد من هذه الزاوية توضح أن ما يجمع مصر والصين اليوم هو أكثر من مجرد مصالح آنية، بل شراكة مستقبلية تتسم بالعمق والواقعية، وتستند إلى تاريخ من التعاون المثمر، وقناعة متبادلة بضرورة بناء علاقات تقوم على الاحترام، والاستقلالية، وتحقيق المنفعة المتبادلة.

ومع تزايد التحديات العالمية، تبرز أهمية هذه الزيارة باعتبارها جزءا من تحرك مصرى أشمل نحو ترسيخ مكانتها فى النظام الدولى الجديد، من خلال بناء جسور متعددة مع القوى الكبرى والانفتاح المدروس على التجارب الرائدة.

فى المحصلة فإن زيارة «لى تشيانج» لمصر لم تكن مجرد مناسبة رسمية، بل رسالة للعالم بأن القاهرة لا تزال لاعبا محوريا فى توازنات المنطقة والعالم، تمتلك الإرادة والرؤية والخطى الواثقة نحو مستقبل تصنعه بإرادتها الحرة وشراكاتها المتوازنة.. حفظ الله مصر.

 اقرأ أيضا

د. أمل رمزي تكتب لـ «30 يوم» : مصر حضن الأمة العربية وحضنها لا يفتح إلّا بحكمة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى