سماحة سليمان « لايف كوتش » تكتب لـ « 30 يوم : حين يتحول الاهتمام إلى تهمة .. والحب إلى عبء

في العلاقات العاطفية، لا يكون الألم دائمًا في غياب الحب… بل أحيانًا يكون في طريقة التهرب من التعبير عنه.
هناك مواقف بسيطة في الظاهر، لكنها تحمل دلالات عميقة. كأن يسأل أحد الطرفين الآخر:
“لماذا لم تعد تقول لي أنك تحبني؟”
أو:
“لماذا لم تعد تتصل لتسأل عني مثل السابق؟”
وتأتي الإجابة ببرود مدهش:
“كلمة بحبك ما بتنطلب، ولما بحس إني بدي أقولها، بقولها.”
“لما بدي أتصل، بتصل. انتي لا تطلبي.”
هذه العبارات، رغم بساطتها، تحمل رسائل معقدة.
ففي الظاهر، قد تبدو كأنها ترفض الضغط أو الالتزام القسري بالمشاعر. لكن في العمق، هي تتجاهل تمامًا لحاجة الطرف الآخر للشعور بالاطمئنان، للأمان العاطفي، ولأبسط أشكال التواصل.
المشكلة هنا ليست في “عدم قول كلمة”، بل في تحميل الطرف الآخر شعورًا بالذنب فقط لأنه عبّر عن احتياجه.
هو لا يطلب كلمة “بحبك” كإثبات، بل كوسيلة للشعور بالوجود، بالتقدير، بالحنان الذي لا يُفترض أن يتحول إلى عبء.
الطرف الآخر لا يطلب اتصالًا لمجرد الاتصال، بل يسأل:
هل ما زلت تراني؟
هل ما زال وجودي في بالك وفي قلبك؟
هل ما زلت اعني لك كما كنت؟
لكن حين تتحول هذه الأسئلة إلى “اتهامات” أو تُردّ بجفاء، فإن العلاقة تبدأ بالتآكل من الداخل.
لأنها تقوم على معادلة مختلة:
“أنا أعبّر وقت ما بدي… وأنت لا تطلب.”
هذا النوع من الردود يعكس خللًا في فهم العلاقة.
الحب لا يختصر في كلمة تُقال لمرة واحدة، بل يتجلّى في التواصل المستمر: سماع حاجات الآخر، ودعمه، ومشاركة لحظاته الصعبة والجميلة، حين يتجاهل أحدهم نداء الطرف الآخر، لا ينسحب فقط من التعبير، بل ينسحب من المسؤولية العاطفية.
وأسوأ ما في الأمر… أن الطرف المُتعب، يبدأ هو أيضًا بالتراجع، لا لأنه شُفي من حاجته، بل لأنه تعلّم أن طلب الاهتمام سيُقابل بالإنكار.
في النهاية، لا أحد يحب أن يطلب الحب.
ولا أحد يستحق أن يُجبر على الشعور بأنه “يطلب كثيرًا” لمجرد أنه يريد أن يشعر بأنه موجود في قلب الآخر.
حين لا يُقال الحب… يبدأ الغياب.
وحين يصبح الطلب “تهمة”، تبدأ العلاقة في التلاشي، بصمت.
(الاحتياج ليس ضعفًا)
في العلاقات الناضجة، الاحتياج لا يُعتبر ضعفًا… بل دليل على وجود رابط حقيقي.
طلب الاهتمام أو السؤال عن الغياب لا يعني التعلق المرضي، بل يعني ببساطة: “أنا أراك، وأحتاج أن تراني أيضًا”، المشكلة لا تبدأ حين نطلب، بل حين يُفسَّر طلبنا كعبء كانه ضعف فالتجاهل لا يصنع قوة، والصمت لا يبني طمأنينة، والمشاعر التي لا تجد حضنًا يسمعها، تنسحب بهدوء… ولكنها تبقى مدفونه.
وفي الختام
العلاقات لا تنهار فجأة، بل تتآكل حين يُهمَل السؤال، ويُستهان بالشعور، ويُسكت الاحتياج.
فالحب لا يُقاس بعدد الكلمات… بل بقدرة كل طرف أن يرى الآخر، قبل أن يُطلب منه ذلك.