حمدي رزق يكتب :« قعقعة الجوارح»

وفي اللغة العربية الفصحى، صوت الصقر “غقغقة”، ويقال “قعقعة” بحسب درجة ارتفاع وحدة الصوت، ومنها تقعقع السّلاح ونحوه، وتترجم تتابع صوتُه في شدّة وحدة.
والصقور تنتمي إلى جنس الطيور الجارحة، يسمونها ( الجوارح ) في سعيهم وراء الفريسة، ووسيلتها الخطف، وبمجرد أن يؤمن الصقر(الجارح) الفريسة بمخالبه القوية، يقوم بتقطيعها بمنقاره القوي المدبب بشكل حاد، بحسب ما ذكرته موسوعة «britannica» البريطانية.
تعشش معظم الأنواع في الأشجار، لكن بعضها، مثل ( صقر المستنقعات) ، يتواجد على الأرض في الأماكن العشبية وآخر على المنحدرات الجبلية، وهذا ما يهمنا في هذه السطور، صقور أو جوارح المستنقعات السياسية التي تنحدر بالحوار السياسي من (الغقغقة) الهادئة إلى (القعقعة) إلى درجة الصراخ وتمزيق الوجوه!
هذا في عالم الكواسر ( الطيور الجارحة ) ولكن في عالم البشر ، ابتلينا في عقد أخير بنوعية من البشر الجوارح ( الكواسر ) تطير في فضاء الوطن تتربص بحثا عن طريدة، يمزقون لحم الوطن بأسنانهم الحادة، ألسنة حداد، وكلما أوغلوا نهشا في عرض الوطن وذاقوا لحمه اشتهوا، نهمون لا يشبعون، مثل مصاصي الدماء يتغذون على جوهر الحياة.
المثل الشعبي يقول “الطيور على أشكالها تقع” وهؤلاء الجوارح الذين تربوا في ( الحارة المزنوقة ) ، تحالفوا مع ( المؤلفة جيبوهم ) في حلف غير مقدس، الجوارح عادة ما يشبهون بعضهم البعض في الطباع، والأفكار، والخلفيات، غالبًا موتورون، ثأريون، تحركهم غريزة الانتقام.
الجوارح أو الكواسر من بشر المستنقعات السياسية ، يحومون في عشب الوطن بحثا عن طريدة، ومن الحظ العاثر أن يتعثر مواطن صالح في منحدر جبلي، يحاصرونه ، يمزقونه بمخالبهم شر ممزق، يتكالبون عليه تكالب الأكلة على قصعتها..
عرفت المحروسة قديما الكواسر، وخبرت الجوارح، كانت تهشهم عن وجه الوطن الصبوح، كانوا ندرة يتندر بهم، ويظهرون نادرا في سموات الوطن في مواسم (التحاريق السياسية)، وعندما انفتح الفضاء الإلكتروني مباشرة على الأرض، تكاثرت الجوارح، وتوالدت الكواسر، كما الأرانب ، صارت غيمة سوداء تظلل سماء الوطن، وتهجم في أسراب تنقر الرءوس العارية بساقط القول.
كل أزمة يمر بها الوطن، تسمع في الفضاء الإلكتروني (قعقعة تسبقها غقغقة ) صوت الجوارح، تغريدات وتويتات، أقرب للنعيق (صوت الغراب النوحي)، أو للنقيق (صوت الضفدع اليتيم)، أصوات قبيحة تصدر عن نفوس خربة مريضة، في قلبهم مرض من المحروسة، زادهم الله مرضا، والغرض مرض كما يقولون.
هناك شفرة غير مرئية بين (قعقعة ) الجوارح (المؤلفة جيوبهم) وعواء ذئاب الإخوان المنفردة، ما إن تعوي الذئاب الجريحة، حتى تتجمع الجوارح وتقعقع ، قبيحة أصواتها تصم الأذان، كما حداء الإبل هو أحد التعابير الشفهية في تراث العرب، ويمكن تعريفه بأنها مجموعة من الأصوات التي يقوم بها رعاة الإبل للتواصل مع قطعانهم المطلوقة في براري الوطن.
عزف جماعي في مندبة جماعية، كالنادبات المستأجرات في المصائب، يغتبطون في الكوارث، وينتشون في المصائب، ويغردون في الفضائح، عوائهم يصير نباحا على القافلة تسير قدما إلي الأمام .
أوركسترا الجوارح يعزف نشاز، جوقة الشر الموسيقية تعزف لحنها الأخير، لا تطرب وطنيا كان، ولا تجتذب سوي نفر من المؤلفة قلوبهم، يرقصون طربا علي جثة مطروحة أرضا بفعل فاعل إلكتروني زنيم.
الجوارح من اسمها جارحة للحياء الوطني، لكنهم عادة لا يستحون، وجوههم مكشوفة ولا يخجلون، اللي اختشوا ماتوا عرايا من الكسوف، الخجل الوطني لم يمر ببابهم، لم يقرأوا في كتاب ( الخجل الوطني ) قول الفيلسوف الفرنسي “فرانسوا ماري آروويه” (فولتير): “يجب أن تخجل من ارتكاب الخطأ وليس من الاعتراف به”.
مجددا الحاجة الوطنية ماسة لـ”قبة معلوماتية” تهش الطيور الجارحة (الكواسر) عن عشب الوطن، تلقمهم حجرا، يطيرون بعيدا عن الحياض المقدسة.
هش الجوارح بسلاح المعلومات، الجوارح تتغذى على الجيف المنتنة في المستنقعات، علي بقايا المعلومات علي السفوح والمنحدرات ، و تلتقط بمناقيرها الصفراء البيانات، وساقط القول.
القبة المعلوماتية الصلبة تتكسر عليها مناقير الجوارح، الجوارح تتغذى على الفضلات، تنظيف الفناء الخلفي من المخلفات المعلوماتية الفاسدة ذات الرائحة النفاذة يوفر حلا بيئيا مستداما.
لماذا تتجمع الجوارح في سماء الوطن، وتنقر الرءوس بفاسد القول، فحسب غيبة الردع المعلوماتي، الدفاع المعلوماتي المتأخر يمد الجوارح بمدد لا ينضب من المخلفات، المعلومات اليقينية على وقتها تخنق الجوارح، تكتم قعقعتها، رويدا رويدا تتحول إلى الغقغقة ثم تلوذ بالصمت في انتظار فرصة تسنح ، و فريسة ضالة.
النقص المعلوماتي الفادح يوفر أجواء مواتية لقعقة أسراب الجوارح، والذئاب الإخوانية المنفردة في الدغل الإلكتروني متربصة متلمظة لقطعة لحم طازج من كتف الوطن، ما أن يظفروا بنتفة عفنة يشيرونها في الفضاء الإلكتروني، تلتقطها الجوارح، وتساقطها على الرءوس، تنقر بها الأدمغة المشوشة بفعل المعلومات الشحيحة، وتملأ أجواء الوطن بالقعقعة والغقغقة وحداء الأبل الضالة!!
نقلا عن الأهرام