توبكُتّاب وآراء

خالد إدريس يكتب لـ « 30 يوم » : رسالة للدولة المصرية

توقفت كثيرًا أمام تلك الأحداث المتلاحقة التى وقعت فى مصر خلال الأيام الماضية بدءًا من حادث الإقليميّ الذى راح ضحيته فتيات العنب، مرورًا بقانون الإيجار القديم، وحتى حريق سنترال رمسيس، واستشعرت أننا فى حرب خفية تعتمد على قلة الوعى والضغوط الاقتصادية، وتهدف لنشر فوضى فكرية ونفسية، وإحداث تباين ووقيعة، وخلافات فى الرؤى بين أفراد الشعب، خاصة بعد أن حدث تلاحم قوى بين كافة القوى والتيارات السياسية نتيجة مواقف القيادة السياسية، تلك المواقف والقرارات التى حافظت على حدود مصر، وأظهرت قوتها على الساحة الدولية، وقدرتها على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وكشفت عن استقلالية قرارها، ما أدى لتماسك الجبهة الداخلية وإعلانها الاصطفاف خلف القيادة السياسية ودعمها فى كل المواقف والقرارات.

فى زمننا الراهن، لم تعد الحروب تعتمد فقط على الجيوش والدبابات والطائرات. فمع تطور أدوات الهيمنة والسيطرة، تحوّلت الحروب إلى معارك غير تقليدية تُخاض فى العقول قبل الميادين، وتستهدف تآكل الوعى وتفكيك الداخل عبر أساليب خفية وخبيثة.

بث الشائعات اليوم هو  أحد أخطر أدوات «الحرب الناعمة»، إذ يُستخدم لتشتيت انتباه الشعوب، وتدمير الثقة بين المواطن ومؤسسات دولته. ولنضرب مثلًا بمنصات التواصل الاجتماعى، التى أصبحت ساحات معارك تُزرع فيها الأكاذيب بمهارة، ويتم تضخيم مشكلات فردية وتحريف الوقائع بالصور والفيديوهات والكلمات لتبدو حقائق، والهدف: صناعة فوضى نفسية واجتماعية تُضعف تماسك المجتمع.

ربما تساعد بعض الظواهر والقرارات الداخلية فى دعم المؤامرة وتأجيج مشاعر الناس، منها إسناد عدد كبير من المناصب لأصحاب الثقة وليس أصحاب الخبرة، واختيار نواب أميين، منعدمى الفكر والثقافة لا يملكون رؤى أو حلولًا ويمثلون أنفسهم فقط وليس الشعب باعتبارهم اشتروا الحصانة بأموالهم ضمن قوائم البركة، ولا أبالغ إذا قلت إن من أخطر أدوات الحرب الجديدة، دعم الفشل وتقديم الفاشلين للمناصب القيادية فى مجالات حيوية، لأنه قد يؤدى لإضعاف كفاءة مؤسسات الدولة، وتعطيل مسيرة التنمية، وزرع الإحباط العام فى نفوس الناس، حين يسيطر غير الأكفاء على مفاصل القرار، تصبح الدولة ضحية تخريب منظم يلبس ثوب «القانون والشرعية».

ومن أخطر وسائل هدم الدول من الداخل ما يطلق عليهم الطابور الخامس، وهم أولئك الذين يظهرون كجزء من نسيج المجتمع يظهر الوطنية فى أعلى درجاتها، لكنهم فى الحقيقة يخدمون أهدافًا خارجية، إما بالتحريض أو نشر الفتن أو تخريب المؤسسات من الداخل. هم ليسوا جنودًا يرتدون زيًا عسكريًا، بل هم موظفون ومثقفون وإعلاميون ومؤثرون يتحدثون باسم الوطن، ولهم فى ما يقولون مآرب أخرى.

على الدولة أن تستيقظ وعلينا جميعًا أن نعى وننتبه، لأن تغيير المفاهيم، وتسويق الانحلال على أنه حرية، وتشويه الرموز الوطنية، وتسفيه الإنجازات، كلها أدوات لتفريغ العقول من الهوية والانتماء. وحين يصبح المواطن عاجزًا عن التمييز بين الحقيقة والزيف، فإن الدولة تفقد أقوى أسلحتها: وعى الشعب.

الحروب الحديثة لا تُخاض فقط بالبندقية، بل بالكلمة والصورة والتعيينات والقرارات، وبث الفوضى عبر وجوه مألوفة. وأمام هذا النوع من الحروب، لا يكفى الجيش وحده، بل يحتاج الوطن إلى «جيشٍ واعٍ» من المواطنين، يحرسون الحقيقة، ويرفضون الانسياق، ويقفون ضد من يحاولون تفكيك الداخل بأدوات ناعمة وخبيثة.

حفظ الله مصر من كل سوء

Khalededrees2020@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى