توبكُتّاب وآراء

حمدي رزق يكتب : الزمبليطة في الصالون !!

للشحرورة صباح أغنية لطيفة، مطلعها، “كلام.. كلام.. كلام.. مابخدش منك غير كلام”، ولها أغنية فكهة بعنوان، “يا أبو الكلام ع الكيف” .
الإحالة إلى أغنيات ” الشحرورة ” ترجمة لجائحة فيروسيّة ( مكلمة ) أصابت العقل الجمعي ، ننام على كلام، ونصحو على كلام، وكلام يجيب كلام، وكلام ع الكيف .
ضمير المتكلم ، كلام ساكت، لا يترك أثرا، ولا يبدل حالا، وسيل الكلام العرم أطاح بقاعدة سويسرية عمرت طويلا، “الكلام فضة، والسكوت من ذهب”، ويُشير المثل في سياقه إلى معنى يكون فيه الصمت أبلغ وأسلم من الكلام الفاضي .
والكلام علم، وعلم الكلام، فرع من فروع المعرفة الإسلامية ، يهتم بفهم وتفسير العقائد، ويسعى إلي براهين وحجج تدحض الشبهات المثارة حولها.
وقال الحكيم: “كثير المعرفة قليل الكلام، وكثير الكلام قليل المعرفة”، وبين ظهرانينا المتكلمون كثر، بعلم أو بغير علم، وإذا سألته عن مصدر كلامه، يقول لك بثقة العالم “أسأل جوجل” صار “العم جوجل” مصدر المعرفة الوطنية، ومن يركب جوجل هو من يملك ناصية الكلام، وناصية الكلام تعني مقدمة الكلام أو الأسلوب البليغ .
وبيننا مفوهين عتاة، ملوك الكلام، و”مفوه” تعني بليغًا فصيح اللسان، يجيد الكلام بطلاقة وقوة بيان، ويقال عن الشخص “مفوه” إذا كان قادراً على التعبير عن نفسه بوضوح وفعالية، ويستخدم اللغة بشكل مؤثر وجذاب.
إحالة إلى أقوال الحكماء، والحكمة ضالة المؤمن، الكلام كالدواء إن أقللت منه نفع، وإن أكثرت منه صدع، جد أصبانا الصداع الوطني من كثرة الكلام في الفاضي والمليان، ومعلوم الفاضي يعمل قاضي، ويزعم امتلاك القول الفصل.
معلوم، قلوب الحمقى في أفواههم وأفواه الحكماء في قلوبهم، إنّ الذي يعرف كيف يتكلم، يعرف أيضاً متى يجب أن يتكلم، وبين ظهرانينا من تحصن بالصمت ، لا ولم ينبس ببنت شفة، لم يتفوه بكلمة، لم يقل شيئاً، ولا يعلق على شيء.
والغريب من لا يعرف يهرف بسفاسف القول، الأقوال التافهة، عديمة القيمة، الكلام الذي لا فائدة منه ولا يرتقي إلى مستوى الكلام المفيد .
هذا هو النموذج السائد ، الفتيا بغير علم، ومع نقص المعلومات اليقينية على مصادرها يسود فاسد القول ما يخلف أضرارا جسيمة في اساسات البناية الوطنية .
من الثابت نفسانيا، أن من ضاق صدره اتسع لسانه، ومن كثر كلامه كثر سقطه، والحكيم من يتحفك بمعانٍ كثيرة في ألفاظ قليلة، والثرثار من يضجرك بمعانٍ قليلة في ألفاظ كثيرة .
نعيش رغم انوفنا حالة محزنة من الثَرثَرة المُفرِطة، مُصطلح في علم النفس، يبرهن على اضطراب تواصل يُؤدي إلى إفراطٍ في النُطق مع تكرارٍ للكلام، مرضي الكلام باتوا اكتر من الهم على القلب.
كثرة الكلام عن العسل لا تجلب الحلاوة إلى الفم، مابالك بكثرة الكلام عن البصل، تجلب روائح كريهة، وكثرة “الهري” تخلف إزعاج مجتمعي، وصمم مؤقت في الأذن، يزول بزوال الضجيج.
البلد مشدودة من أطرافها الأربعة، وحلقة نار تحيط خاصرتها من الجهات الأربعة، والهري بزيادة، منسوب الهري مرتفع عن معدلاته القياسية .
المكلمة الوطنية تسجل حالة صخب عاتية، مضجرة هذه الحالة، تطير النوم من عينيك، تقض مضجعك، تقلقك على المستقبل، هل يستقيم الهري هكذا مع حالة تستوجب صمت الحكماء، وتدير المفكرين، وتشخيص العقلاء؟
حرية التعبير عن الرأي حق أساسي من حقوق الإنسان، يتيح للأفراد التعبير عن آرائهم وأفكارهم بحرية دون خوف ، وتعتبر حرية التعبير عن الرأي جوهرية في المجتمعات الديمقراطية .
لا نصادر على حق، ولكن ترجمة حرية التعبير على أنها “حرية الهري”، ومسك السيرة، وتمزيق الستر، والتنمر على البشر، والتحرش بكل صاحب رأي، أو فكر، أو مسئولية؟!
صحيح “من تصدّر لخدمة العامة، فلا بد أن يتصدق ببعضٍ من عرضه على الناس لأنّه لا محالة مشتوم، حتى وإن واصل الليل بالنهار”، ولكن رفقا بالناس، قاعدة ” آخرة خدمة الغُز علقة” فيها من الكثير من نكران الجميل!!
يفكرني الصخب الحادث بمشهد من فيلمِ “لحن الخلود”، يقول النوبيُّ الطيبُ البشوشُ، لسيدةِ المنزلِ عندَ دخولِها، “الزمبليطة في الصالون” فعلا المكلمة الوطنية على المحمول، وصداها على المقاهي، ورجع الصدى ( الزمبليطة ) في الصالون .. و”خير الكلام ما قل ودل”!

نقلا عن أخبار اليوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى