سماحة سليمان « لايف كوتش » تكتب لـ « 30 يوم: بين الظل والنور: حكاية امرأة في صراعها مع اللاوجود

اللايف كوتش:
مرحبًا نور.
نور:
مرحبًا بكِ سيدتي.
اللايف كوتش:
كيفك اليوم؟
نور:
الحمد لله… لسه بقاوم.
اللايف كوتش:
طيب يا عزيزتي… من وين حابة نبدأ؟
بس قبل ما تبلشي، بدي أقولك:
أنا فخورة فيكِ لهالخطوة الجريئة.
مو أي حدا بيقدر يفتح أبواب الماضي ويحاول يتخلّص من وجعه.
خطوتك اليوم شجاعة… وأنا موجودة هون لأرافقك، مو لأحكم عليك.
اللايف كوتش:
طيب نور، من وين حابة تبلّشي؟
نور:
بدي أبدأ من الطفولة…
كنت البنت الوسطى، واكتشفت لاحقًا إني ضليت بالوسط بكل شي…
كنت – أو على الأقل هيك كنت أعتقد – الأجمل بينهم. كنت ناعمة، هشة…
شعري كان ذهبي، يلمع زي أشعة الشمس.
رموشي خفيفة، بالكاد تبين…
جسمي كان ضعيف، كأنه عليه ملصق مكتوب فيه: “قابل للكسر”.
ومع هيك… ولا حدا قرأ الورقة.
ما حدا شاف هشاشتي.
أختي الكبيرة كانت “العاقلة”، مع إنها بس أكبر مني بسنتين.
أختي الصغيرة… خليني أقول “المدللة”.
وأنا؟ بقيت بالنص… لا هاي ولا هاي.
حتى علاقتي بأقراني كانت بالنص.
أختي الكبيرة تلعب مع بنت عمي اللي بعمرها.
أختي الصغيرة إلها كمان بنت عم بنفس العمر.
وأنا؟ ما كان إلي رفيقة…
كنت لحالي، دائمًا بالوسط… وما بين الوسط والفراغ… ضعت شوي.
اللايف كوتش:
نور، لما كنتِ تحسي حالك دايمًا “بالوسط”…
شو كان الإحساس المسيطر عليك؟
نور:
كان إحساس بالوحدة والاختلاف في نفس الوقت.
كأني مش محسوبة، ولا لي وجود حقيقي.
كنت حاسة إني غريبة، وحتى وسط أهلي كنت لوحدي.
ما علينا… (كلمة نور الدائمة حتى أتجاوز).
مرت الأيام والسنين، وبقيت غارقة في “الوسط”…
شيء غير مرئي… هشّ… لا يُرى منه إلا الضعف.
وهذه الهشاشة…كانت مكان للسخرية، ومبرر للاستغلال.
” ولسان حالي سوي اعملي عطي عشان تثبتي إنك موجودة.”
صار هذا هو شغلي الشاغل:
أعطي، أستنزف، أضحي… حتى يروا هذا الكائن الهش.
اللايف كوتش:
لما كنتِ تعطي وتضحي…
كنتِ عم تعملي هيك علشان تثبتي شو لنفسك؟
نور:
كنت عم أحاول أثبت وجودي، إني مش مجرد ظل أو فراغ.
إنه في شي مهم داخلي لازم ينشاف ، يستحق الحب والاعتراف.
تعلمت إن العطاء مش لله فقط، بل لخلق الله.. انا لا انكر ان العطاء يولد الألفة الحب الود
ولكن لم يكن العطاء وحده يكفي، بل كان يجب ان يكون ملازم للصمت، والرضى، والانكماش.
صرت بلا لسان… فقط رأسي يهز بكلمة: حاضر.
ومضى قطار العمر…
لكنّه مضى دون وعي، ومعه مضى كل إحساس.
أنكرت ذاتي… أنكرت وجودي.
ورثت التبعية… والرضا دون رضا.
ورثت “اللاوجود”.
وظننت أن الزواج هو الخلاص… هو الحب… هو الوجود.
وتزوجت “أمان”.
ظننته الأمان لي.
اللايف كوتش:
شو كنتِ بتتوقعي تلاقي في الزواج وما لقيتيه؟
نور:
كنت متوقعة ألقى الأمان، الحب الحقيقي، والاهتمام اللي يملأ الفراغ اللي جواتي.
لكن ما صار هيك… صار عكسه.
الأمان اللي ظننته… صار مصدر الخوف والتهديد.
أصبحت لا شيء… واُستُخدم “هذا الشيء” في كل شيء.
لم أكن “موجودة”.
كنت فقط شيء جميل قابل للوضع في أي زاوية من حياة زوجي، مش جميل الشكل والكيان كان جميل في لعب جميع الادوار.
ولعبت كل الأدوار لأثبت أني النور الذي لا يُستغنى عنه.
كنت الزوجة… والأم… والكنّة…
كنت “زوجة الأخ”… والطباخة… والخادمة…
تنافست مع الجميع: مع الخادمة، مع المربية، مع العشيقات، مع الأم، مع الأخت…
كل ذلك لأثبت أني موجودة.
أنني “نور” هذه الحياة.
حاولت الالتصاق بـ”أمان” ولم أجد الأمان.
قلت: معليش… بستحمل.
مش مشكلة… أنتِ الأقوى…
ولكنني كنت الأقوى فقط على التحمّل.
كنت الأقوى على الصمت…
ولست الأقوى على المواجهة وأخذ حقي.
تنازلت عن حقوقي… واحدة تلو الأخرى.
والنور… بدأ ينطفئ.
الأمان… صار وهمًا.
وغصت أكثر في “اللاوجود”.
أصبحت ظلّ امرأة…
زوجي ترك النور، وبحث عن أشلاء النور.
وبات “امان زوجي” يعني الأمان لتلك الأشلاء.
أصبحت حزينة… مستنزفة…
مُنهكة في هذا “اللاشيء”.
اللايف كوتش:
إذا بدك توصفيله هالـ “لا شيء”… شو شكله؟
نور:
لوصفه؟
هو فراغ قاتل، غياب للأمل، صوت صمت ما بينادي.
لون رمادي يلف كل شي، ويخنق.
دهشة بلا نهاية.
إلى هنا… فقط.
هذا هو صراعي مع “اللاوجود”.
وكل شيء… يكرّر نفسه، في نفس الزوايا الهشّة.
اللايف كوتش:
جيد جدًا…
ليس ما عشتِه هو الجيد، بل تفريغك لكل هذا الوجع… هذا هو الجيد.
خليني أسألك، يا نور:
ما الشيء اللي جواكِ ممكن يشعل النور من جديد؟
نور:
في داخلي أمل.
أمل في التغيير، في النهوض، في الوصول لذات أفضل.
لا أعرف الطريق كله، بس في شرارة صغيرة بتناديني.
بتقول لي: كفى!، ووقت النور.
اللايف كوتش:
لو اضاءتي هالنور لنفسك أولًا…
شو أول شي ممكن يتغير فيكِ؟
نور:
لو ضويت لنفسي، رح أحس بقيمتي بدون انتظار أحد.
رح أكون قوية كفاية لأواجه كل صعوبات الحياة.
رح أقدر أضيء طريقي… وأوقف على رجلي.
لأني أدركت أن الأمان… أنا من أمنحه لنفسي.
أنا من يبعث الأمان لذاتي.
فطالما كنتُ “نورًا” لغيري طوال تلك السنين…
فالأجدر أن أكون نورًا لنفسي، أولًا.
لن أستطيع أن أضيء لهم…
ونوري خافت، باهت.
الآن فهمت:
يجب أن أكون النور لنفسي أولًا…
لأتحوّل من “اللاوجود” إلى “الوجود”.
الصبر الذي أحمله…
هو أقوى نور…
وأستطيع أن أضيء ذاتي.
اللايف كوتش:
هل وصلنا إلى هدفك؟
هل رأيتِ ذاتكِ الحقيقية؟
نور:
نعم…
شكرًا.
الخاتمة:
ربما لا تكون هذه نهاية الرحلة…
لكنها بداية حقيقية، حيث توقفت نور عن استجداء النور من الخارج، وبدأت تشعل شمعتها من الداخل.
وحين يضيء الداخل… لا يعود الخارج مهمًا.