كُتّاب وآراء

الإعلامي العراقي حسين الذكر يكتب لـ «30 يوم» : اليوم الوطني للطماطة !

الديمقراطية حلم بنينا عليه الآمال بعد عقود الحروب والحصار والدمار .. الحصيلة كانت مفرغة من المفهوم ، اذ بدلت الحرية بالفوضى واختفى الرصيف من مناطقنا حتى صار اثر بعد عين بعد احتلاله واخضاعه لمزاج ورغبة العامة تحت انظار السلطة مع ما يحتله من رمزية دالة على تحضر المجتمعات.
الشبكة العنكبوتية اخرجتنا للتعارف العربي والعالمي وقد حدثني زميلي سيماوي الطنجاوي في المغرب العربي عن متاعبهم المستهلكة لوارداتهم التي تصرف على تعليم اولادهم خارجيا بعد فقد ثقتهم بالتعليم العربي ، وقد علقت قائلا : (العرب اصبحوا متيقنين بان اقصى ما يطلبوه من الشهادات العليا هو التعيين بوظيفة بسيطة) فرد علي : ( الشهادات الغربية معترف بها وتعد جواز للعمل باي مكان) ، فقلت : ( صحيح لكن الجامعات الغربية تخرج موظفين عرب اما القيادات فنتاج حزبي لا تعليمي .. فيما الوظيفة عنوان محرف ( للعامل ) بمؤسسة .. فذلك هو الاختصاص الحرفي المناط بالجامعات لا اكثر منه ).
سالت عربيا عن اسباب ارسال ابنه الى روسا للدراسة برغم التكاليف الباهضة ، فقال بالحرف الواحد : ( ان شهادات جامعاتنا لم يعد معترف بها عالميا .. وبما ان بلداننا عرضة للتغيرات السياسية الدائمة وما يتبعها من هجرات كبرى متوقعة .. فان الشهادة الغربية اضمن ولو بدون راس مال او جسد بلا راس) !
ذلك حال الجامعات الحكومية اما الخاصة الاهلية منها .. فان دفع الرسوم اهم شرط للنجاح الذي يعد اهم مطلب لهم ولاهليهم من الحديث عن ما بعد التخرج الذي لم يتم التطرق له وكانه من الماضي ، فالخريج بدول دوائرها مستهلكة ببطانة ظاهرة لم يعد الاستراتيج فيها يحمل ذات المعنى بعد استبداله بالتهريج !
لقد تم استباحت مدننا بالدرجات البخارية والتكاتك والمقاهي وكوفيات الاركيلة والمطاعم حتى غدى الوعي شيء لا قيمة له بل ينتقد ويعنف من تحدث به فبضاعته كاسدة بل فاسدة في ظل عقول محشوة حد اليقين بمثلجات الكلاسيكو ومجففات الكنتاكي .
لا اعرف كثيرا عن محددات السوق كل شيء خاضع لمعايير سياسية حتى الطماطة كان سعر الكغم بدولار فيما انخفضت اسعارها الى سبعة كغم بدولار وهي حسبة غير معقولة راسماليا وفقا لعقول تبحث عن المال قبل الانسان والامان ..
في العراق من الفجر حتى منتصف الليل ننام ونصحوا على مكبرات الصوت للباعة المتجولين بلا رادع ولا تنظيم بصورة تعبر جدا عن المعنى المراد للديمقراطية التي يسوقها الغرب لنا .. وقد انتشر باعة الطماطة بشكل غريب كانهم يحصلون عليها مجانا ليبيعوها بسعر بخس .. مع ان الطلب عليها مستمر من المواطنين والمطاعم التي لم يعد في العراق شارع واحد دون ان يكون فيه عشرات المطاعم بامتياز مفضل تحققه الديمقراطية الغربية في بلدنا .
الكل يصيح ( طماطمة .. طماطة) : البيت والشارع والعربات والسيارات والدراجات .. الكل يشتري مقبلين عليها هستيرياً كانها المطلب الوحيد للاسرة .. وقد اصابت العدوى زوجتي المدبرة التي تحرص على تقسيم الرغيف لاجزاء احتفاظا بالزائد منه لوجبة اخرى ، فاجئتني بطلب : ( دعنا نشتري مجمدة) مع اننا نمتلك ثلاجة كبيرة كافية .. فاشتريت لها مجمدة ، فطلبت كمية من الطماطة بتفسير منطقي لشراء المجمدة تاثرا بالعقلية الديمقراطية التي جعلتنا نسلم بخضوع لدعايات وسياسات الطماطة .. وسيات اليوم الذي نطالب فيه بالعيد الوطني للطماطة وربما نجعل منه عطلة رسمية !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى