توبكُتّاب وآراء

محمد شكر يكتب لـ «30 يوم» : ترامب يكتب نهاية استعراضية لحرب لم يربحها أحد

لم يعارضني ترامب على الإطلاق، رغم توقعي عدم انخراطه في الحرب على إيران، فهو فتىً ظريف يجيد فنون التسلية، حتى لو عجل بضربته الاستعراضية للمنشآت النووية الإيرانية، التي اختزلت مهلة الأسبوعين ليومين أو ثلاثة، أو استبدل القاذفة B-52 بقاذفات B-2، وكلاهما يحملان القنبلة نفسها GBU-57 المعروفة بأم القنابل، لهذا فقط أقر بأن ترامب يجيد استراتيجيات الإلهاء دون أن يحقق شيئاً كبيراً، فهو يرهق نفسه ويرهق العالم لينال بعض التصفيق، والذي غالباً ما يمنحه لنفسه على ضربة أولى وأخيرة ألقت بنحو 200 طن من المتفجرات وما تيسر من صواريخ توماهوك، على 3 من المنشآت النووية الإيرانية الفارغة، ليعلن انتصاراً ساحقاً لم يتأكد منه أحد حتى الإيرانيين وفق تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

فترامب ليس ذلك الأرعن الذي نصوره لأنفسنا، ولكنه مجرد شخصية تلفزيونية تحمل تحت مظهرها البرتقالي، مخالب ضبع لا يقتات إلا بالجيّف، لهذا ظن ترامب أن إيران التي أرهبت المنطقة لعقود بصناعة الإرهاب وتسليح الميليشيات ونشر الطائفية، غدت مجرد فريسة جريحة بعد بتر أطراف حرسها الثوري، ليرى ترامب أن التلويح بالقاذفات الأمريكية وقنابلها الخارقة للتحصينات بمواد متفجرة تصل إلى 13 طنا للقنبلة الواحدة، يمكنه إثناء إيران عن تحقيق الحلم النووي، ذلك الحلم الذي يستخدمه نظام الملالي للحفاظ على استمراره تحت ضغط العقوبات الغربية، لهذا أراه أحمقاً كبيراً، لأن ترامب نفسه من يعمل على إفساد مخططاته للمنطقة، بعناده ورفضه تقارير المتخصصين الذين أداروا الشرق الأوسط وأنظمته المرتعشة لعقود، دافعين بالخليج العربي إلى حظيرة واشنطن، التي تضيق عاما تلو العام بأهلها، مع التوغل الأمريكي الكبير، وتحكم الولايات المتحدة في مفاصل المنطقة، بشيطنة إيران وابتزاز جيرانها بأوهام الحماية، ليخسر ترامب الكثير بتقييمه غير الموضوعي للنظام الإيراني، الذي يلعب وفق الاستراتيجيات الغربية، ويحقق المكاسب من التحايل على المخططات التي تحاك للمنطقة.

وقد تكون الاثني عشر يوماً الماضية، بمثابة مباراة هزلية بين الـF-35 الأمريكية، والباليستي والمسيرات الإيرانية، فبنوك الأهداف خاوية لدى الطرفين، وكلاً منهما يحاول إجبار الآخر على وقف القتال، ولا أحد رابح في حرب بين دولتين لا تربطهما حدود مباشرة، ولكنها حرب كانت ضرورية لدعم حكومة نتنياهو المتطرفة، وتقليص قدرات إيران العسكرية حتى لا تمثل تهديداً لمصالح الولايات المتحدة في الإقليم، فإسرائيل استهدفت المسيرات والباليستي الإيراني مع تدمير أبنية سطحية في المنشآت النووية، وواشنطن عطلت برنامجها النووي دون أن تقتله، ونتنياهو حصل على ما يريده من وقت للحفاظ على حكومته اليمينية، وترامب أزال سقف الدفاعات الجوية عن إسرائيل ليضع كلبه المخلص موضع المسائلة في الكنيست الإسرائيلي لإنهاء حرب غزة قريبا، أما إيران فحققت نصراً بطعم الهزيمة حملت اسمه الرشقة الصاروخية على القواعد الأمريكية الخاوية، بعد أن أخطرت طهران الولايات المتحدة بقصف قواعدها في قطر والعراق، وقبلها تم إخطار إيران بموعد الضربة الأمريكية، التي أراد ترامب أن تكون استعراضية إلى حد كبير، أو أنه أراد أن يفسد توقعاتي بعدم الاستعانة بقاذفات قاعدة دييجو جارسيا الأقرب لضرب النووي الإيراني، لتخرج قاذفات B-2 من قاعدة وايتمان الجوية في ميزوري أقصى غرب الكرة الأرضية، في رسالة تؤكد توقعاتي بإخلاء المنطقة من القواعد الأمريكية باستثناء تلك الموجودة في قطر وربما نظيرتها في الكويت، كما تؤكد قدرة الولايات المتحدة على الوصول لأقصى الأرض دون اعتماد على قواعد أجنبية، رغم الكلفة المهولة للضربة الأمريكية الأخيرة لمنشآت إيران النووية.

هو انتصار زائف لن يمنح ترامب المجد الذي انتظره، لأن الرجل البرتقالي لجأ إلى خيار القوة للاستفادة من برجماتية النظام الإيراني الباحث عن مخرج من حرب غير متكافئة كادت تسقطه، رغم أضرار الصواريخ الإيرانية على إسرائيل، لهذا وافقت إيران على مقترح ترامب لوقف إطلاق النار دون تفكير، ليتمكن ترامب من إرضاء اللوبي اليهودي الذي ضغط لدفعه لمساندة إسرائيل والدفاع عنها في حربها على إيران، كما يرضي صقور حزبه الجمهوري الرافضين لاتفاق نووي جديد، ومهادنة لموسكو التي أزعجها تدخل واشنطن في الصراع، كما أزعجها تلويح إسرائيل بإمكانية قصف مفاعل بوشهر، الذي تديره روسيا وتجنب جيش الاحتلال الاقتراب منه خوفاً من بطش القيصر الروسي، فقد خاض ترامب مباراة ساخنة وانتصر فيها مؤقتاً، لأنه لا يدرك طبيعة الإيرانيين وقدرتهم على التكيف مع الضغوط وتحقيق مصالحهم بكافة السبل، وقد يكون ترامب أدرك أن الخط الأحمر الذي سيدفع طهران لغلق مضيق هرمز وهدم المنطقة فوق رؤوس الجميع، يتمثل في رأس المرشد الإيراني التي ما زال يحملها على كتفيه، ولكن ترامب لم يدرك أن منشأة فوردو النووية العصية على التدمير قد تكون بالأهمية نفسها لدى الإيرانيين، وخسارة أياً منهما قد يدفع إيران لخوض حرب استنزاف طويلة، رغم أن هذه الحرب لن تخلو من الدعائية التي تجيدها طهران، كما تجيد التفاوض مع عقود من الحصار والعقوبات والعزلة الدولية، فإيران غيرت قواعد الاشتباك وانتصرت دعائياً مع صعوبة انتصارها عسكرياً، في معركة عض أصابع بين نتنياهو والمرشد الإيراني، وترامب أخطأ بمنح الضوء الأخضر لخوض إسرائيل الحرب الحالية، رغم أنها مجرد حريق صغير أشعله ترامب ليحظى بشرف إطفائه، بحثاً عن بعض الثناء الذي لا يجده فيمنحه لنفسه، فترامب ضرب البرنامج النووي أمس، ودعا لإنهاء الحرب بعد ساعات من الرد الإيراني الذي حذر طهران من القيام به سابقا، ولكنه تغاضى عن وعيده، بل وقدم الشكر لإيران لأنها حذرت الولايات المتحدة قبل بدء ردها الصاروخي، لهذا أكاد أجزم أن برنامج إيران النووي ما زال صامداً وإلا أشعلت إيران المنطقة لسنوات، فالأمر ببساطة يتمثل في لعب كل طرف لدوره على المسرح السياسي والعسكري، فقاذفات ترامب ضربت فوردو رغم علمه باستحالة وصول قنابلها إلى قلب مفاعله الرابض أسفل جبل شامخ، حتى لو علم مسبقاً أن إيران نقلت اليورانيوم المخصب وأجهزة الطرد المركزي خارج مفاعلاتها قبل أيام، ولو قرأ ترامب تقارير مساعديه، لعلم أن إيران تعمل على نقل أجهزة الطرد المركزي واليورانيوم المخصب بشكل دوري بواسطة حاويات تحملها شاحنات متحركة منعاً لاستهدافها، وهو ما حدث ورصدته أقمار واشنطن خارج الغلاف الجوي للأرض قبل يومين من الضربة الاستعراضية، ولأن فشل قنابله أمر لن تكشفه إيران أبداً، تجاوز ترامب عن قصف قاعد العديد، رغم أن قطر لوحت بالتمسك بحق الرد، قبل أن تقبل بترضية تجعلها وسيطاً في اتفاق وقف إطلاق النار، الذي أعلنه ترامب عبر تروث سوشيال، ليتصدر المشهد الختامي في استعراض كبير أرضى غروره، كما أرضى إيران وإسرائيل ودول الخليج، خاصة قطر التي تنازلت عن خسائر السيادة بسقوط صاروخ إيراني واحد على أراضيها، مقابل الحصول على دور في الجزء الأقل تشويقاً من عرض ترامب في الشرق الأوسط.

 اقرأ أيضا

محمد شكر يكتب لـ « 30 يوم » : الإنذار الأخير لترامب ورأس المرشد الإيراني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى