توبكُتّاب وآراء

محمد شكر يكتب لـ « 30 يوم » : الإنذار الأخير لترامب ورأس المرشد الإيراني

هي حرب اشتعلت فقط، لأن الرجل البرتقالي يريد أن يأخذ الجميع ما يقوله على محمل الجد، رغم أن استراتيجياته التفاوضية تتغير بتغير مزاجه، ليقول الشيء وعكسه في اليوم التالي، ويبذل الوعود ثم يتنصل منها طبقاً لمصالحه، فلم تكن تحذيرات ترامب التي سبقت الضربة الإسرائيلية لإيران، سوى التزاماً بضرب إيران إذا لم تنجز اتفاقاً نووياً جديداً قبل مرور ستين يوما، وهي أيامٍ لم تكد تمر حتى منح الضوء الأخضر لجيش الاحتلال، لإضعاف إيران عسكريا وسياسياً، وهي غاية ترامب التي تختلف مع غايات نتنياهو، وأبرزها تدمير قدرات إيران النووية ولو كانت سلمية، وهو ما لم يتحقق حتى الآن رغم الأحاديث الدعائية عن تدمير مفاعلات ومنشآت تخصيب يورانيوم، فنتنياهو يدرك استحالة تحقيق هدفه بمعزل عن ترامب، لأن إسرائيل لا تقوى منفردة على خرق التحصينات المهولة للمنشآت النووية الإيرانية، دون الاستعانة بالقنابل الخارقة للتحصينات وقاذفات B-52 الفريدة، لهذا اعتمدت تل أبيب على ضعف الحرس الثوري استخباراتيا، لا على قوة الـF-35 الشبحية في حرب أرادت بها تدميراً شكلياً لمفاعلات إيران وإيذاءً فعلياً لبرنامجها الصاروخي، وقدراتها على تصنيع المسيرات الهجومية.

فالحملة العسكرية على طهران، بمثابة انقضاض على فريسة جريحة، لم يبق لتل أبيب سوى الإجهاز عليها قبل أن تسترد عافيتها، كنتيجة متوقعة لضعف الحرس الثوري، الذي لم يعد يرهب دجاجة، منذ اغتيال إدارة ترامب الأولى للحاج قاسم سليماني، الرأس التي أدار قوة إيران العابرة للحدود، بتأسيس ميليشيات هي الأقرب جغرافياً لإسرائيل، لتتحول هذه الرأس سريعاً إلى أخطبوط ساهم في إرهاب المنطقة بأكملها لا إسرائيل وحدها، قبل أن يأمر ترامب بقطع رأس الأخطبوط في فترته الرئاسية الأولى، وتكمل إسرائيل مخططها بقطع أذرعه خلال وقبيل فترته الرئاسية الثانية، وها هي الآن تنفذ ما تنبأنا به قبل أشهر عبر موقع “30 يوم”، بتوجيه ضربة موجعة لإيران، وإضعاف فرص حصولها على سلاح نووي ناورت طويلاً للظفر به ولو ادعت غير ذلك، لتتخلى طهران طواعية عن أقوى أذرعها في لبنان ثم في سوريا، بعد أن كشف نائب رئيس فيلق القدس عباس نيلفروشان موقع الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وشاركه مثواه الأخير في الحفرة نفسها بخرق استخباراتي تسبب به، ثم استسلمت طهران لأطماع أردوغان، ومنحته مفاتيح عرين الأسد، في خيانة تاريخية أسقطت سوريا قبل أن تسقط بشار الأسد، وكلها أثمان باهظة دفعتها طهران مقابل قنبلة ذكرنا هنا أنها لن تحصل عليها بمقايضات لا ترضي أطماع ترامب والولايات المتحدة.

والحقيقة أن إرهاب طهران لمحيطها العربي، طالما ساهم في ملء خزائن الفيدرالي الأمريكي بالعطايا الخليجية، فقط لتوفير حماية من طموحات إيران التوسعية، وهو ما كان سبباً في وجودها منذ انتهاء حروب الخليج وحتى الآن، ولكن واشنطن غيرت لاعبيها الآن، وقررت استبدال إرهاب إيران بإرهاب إسرائيل، فترامب لم يعد يفضل فزاعة مليئة بالقش، واستعاض عنها بكلب صيد شرس دفع الدول النفطية للارتماء في أحضانه، في لعبة ليست سياسية أو عسكرية في جوهرها، ولا تتعلق بقدرات إيران النووية التي تضعف مع مقتل علمائها الوطنيين، وتدمير كل تكنولوجيا تعرفها إسرائيل بفعل اختراقات استخباراتية مكنتها من قتل من تشاء من خبراء، ولكن ما يجري الآن مرتبط بتمهيد الأرض وتخطيطها لبدء المباراة الأكبر في لعبة قيادة النظام العالمي.

ولأن ترامب يكره أن يسمع أن بمقدور طهران غلق مضيق هرمز، منح الإذن لنتنياهو لعقابها على تحجر مواقفها خلال مفاوضات البرنامج النووي، لا محبة في نتنياهو الذي يريد إقصائه عن الحكم، ولكن لقطع أذرع الصين في المنطقة وفي مقدمتها إيران، التي قد تهدد مشروعه الأكبر في الشرق الأوسط، ويمثل إضعافها أو القضاء عليها، المرحلة الأخيرة قبل تدشين ممر الهند التجاري، لأن المرحلة الأولى منه قام بها نتنياهو على أكمل وجه، بتدمير قطاع غزة وقدرات حماس، وجعل شمال القطاع منطقة عازلة غير صالحة للحياة، وإلى هنا قد ينتهي دور نتنياهو، الذي ما زال مستمراً في عدوانه لإرضاء يمين متطرف يتحكم في مستقبل حكومته، فترامب سيتخلص من نتنياهو إن آجلاً أو عاجلاً ولكنها مسألة وقت، للانتهاء من ضرب إيران، الذي أنسى المجتمع الدولي المطالبة بدولة فلسطينية مستقلة، بعد الحراك الذي ساهمت مصر فيه بكامل قوتها الدبلوماسية، والذي ذهب أدراج الرياح مع أول قذيفة أطلقتها إسرائيل نحو إيران.

فترامب لن يتخلى عن ممر الهند التجاري، والمنطقة بأثرها تتغير لأنه يريد أن يقطع طريق الحرير الصيني بهذا الممر، وتأمينه انتهى تقريبا في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولم يتبق سوى تهجير بعض بلدات ومدن الضفة الغربية، ليمتد منها نحو الأردن، ثم منها إلى السعودية التي تنتظر وقف القتال للشروع في تطبيع سعودي صهيوني، وهو التطبيع الذي لن يتم في وجود نتنياهو، بعد أن اقتصر دوره الحالي على إضعاف إيران ثم سيتكفل ترامب بمهمة تأمين الطرف الثاني من الممر، مع انبطاح الأنظمة الخليجية، التي لم تسهم ضغوطها التريليونية، إلا في إقصاء الولايات المتحدة عن هذه الحملة العسكرية، لا محبة في إيران، بل خوفاً من وعيد بانتقام سيصب لهيبه على القواعد الأمريكية في الخليج.

فما يجري يمثل حلقة جديدة من حلقات حروب الوكالة بين الولايات المتحدة والصين، وإيران التي لم تصب صواريخها حجراً في الرد الأول على الهجوم الإسرائيلي، في تكرار لرد هزيل على إسرائيل مطلع أكتوبر الماضي، لم تتناول حفنة من حبوب الشجاعة في الأيام التالية، ولكنها تلقت تطمينات بدعم من المعسكر الشرقي، مع انحياز الصين الكامل لها، وانحياز أقل من روسيا التي تطمع في استغلال جشع ترامب للخروج من المستنقع الأوكراني، لهذا طالب القيصر إيران بالعودة إلى مائدة المفاوضات مع واشنطن، وهو ما طالبت به مصر أيضاً لوقف التصعيد في المنطقة، وإنهاء مباراة الباليستي والمسيرات مقابل الـF-35 وسلاح الاستخبارات والحرب الإلكترونية، كحل وحيد لردع نتنياهو، قبل أن يقضى على ما تبقى من القواعد العسكرية الإيرانية، وهو الأمر الذي يضر بتوازن القوى في الإقليم، ويدفع نحو المزيد من المناورات الإسرائيلية التوسعية، لهذا فرغم لهيب الصواريخ الإيرانية التي مزقت بات يام، والدمار الذي لحق بنطنز وأصفهان، فما زالت الحرب الكبرى بين الولايات المتحدة والصين حرباً باردة، فترامب دفع بنتنياهو وأمهله الفرصة لتقليم أظافر طهران وإعادتها صاغرة إلى مائدة المفاوضات لتضع مصير قضية تخصيب اليوانيوم، رهناً لتحالف دولي تشارك فيه الولايات المتحدة، في انتهاك صريح لسيادتها، فقط لأن الرجل البرتقالي يريد الحصول على كل شيء، بتوقيع طهران على وثيقة استسلام غير مشروط، أو العمل على تغيير النظام تحت وطأة الضربات الإسرائيلية، وضغط الشارع الإيراني، والعمليات الاستخباراتية التي كانت وراء اغتيال 20 من قيادات الحرس الثوري الإيراني، بعد استدعائهم واحتجازهم في مقراتهم الإدارية إلكترونياً، وقصفهم ليتم تصفيتهم جميعا، إضافة إلى قيادات سياسية واستخباراتية، تصدرها رئيس هيئة أركان الجيش الإيراني محمد باقري، وهو ما يزيد المشهد تعقيداً، مع تصعيد إيران العسكري والدبلوماسي.

ويمكن القول أن الأضرار التي حققتها صواريخ اليومين التاليين للهجوم الأول، اكتسبت قوتها الدميرية الكبيرة من إشارات دعم تصدرتها باكستان الحليف الصيني القوي، الذي استغلته بكين في تقليم أظافر الهند، الأكثر انحيازا للولايات المتحدة من رفيقتها في بريكس، بعد أن عصفت الخلافات الحدودية والتنافس الاقتصادي بعلاقتهما، ليسهم دعم باكستان في طمأنة إيران، فهي رسالة أبعد من إسلام آباد، رسالة تحمل صورة المقاتلة الشبحية j-10-c التي أسقطت رافال الهند قبل أسابيع، والرسالة نفسها وجهتها بكين خلال مناوراتها الجوية مع مصر، لتقول فقط أنها لن تتخلى عن حلفائها في بريكس، وتتركهم رهينة لأهواء ترامب ومخططاته التدميرية لمشروع الحزام والطريق، رغم أن بكين لا تحبذ التورط في حرب وكالة تزيد من عثراتها الاقتصادية، مع تصاعد التوتر مع تايوان، واقتراب وعد الرئيس شي جين بينج بإعادة “تايبيه” إلى البر الرئيسي للصين في 2027، ما يجعل بكين تفضل إطفاء النيران في المنطقة، والبحث عن سبيل لإنقاذ إيران الشريك الجديد في بريكس، ودفع اقتصاد مصر استثماريا باعتبار قناة السويس، أحد أهم محطات الحزام والطريق الصيني، لمواجهة محاولات الولايات المتحدة للسطو على ثروات المنطقة، وسرقة أسواق بكين لصالح الهند وإسرائيل.

هي حرب كبرى تجري في الظل بين الولايات المتحدة والصين، لا تمثل فيها إيران أو إسرائيل وغيرهما من الدول، سوى بيادق لا تقوى على تجاوز المربعات المرسومة، حتى فرنسا التي دعت للاعتراف بدولة فلسطينية قبل أيام، الآن تعرض مساعدة إسرائيل في حربها على إيران، وهو ما قد يرتبط باختيار فرنسا كمحطة أوروبية لممر التنمية المنتظر، وبغض النظر عن شماتة ترامب في ضرب إيران، فهو يريد أن يعيدها إلى مائدة المفاوضات، ولكن ليس قبل أن يضعف قدراتها العسكرية حتى لا تمثل خطراً على تجارته، مع رغبته في تقليص نزيف ميزانية الجيش الأمريكي، بإخلاء العديد من القواعد العسكرية حول العالم، أو الحصول على ثمن خدمات الجيش الأمريكي حتى لو حول جنود المارينز إلى مرتزقة، وهو ما جعل ترامب يوافق نتنياهو على ضرب طهران، حتى يقوم بتأديبها دون أن ينفق دولارا واحداً وبأيادي إسرائيلية، ليتمكن من الادعاء أنه رجل سلام.

ولكن على ترامب أن يحذر، فالضربات الموجعة التي تلقتها حيفا ومن قبلها بات يام، قد تدفع نتنياهو لقطع رأس المرشد الإيراني، وهو ما سيسهم في رد فعل انتقامي سيشعل المنطقة والعالم في حال إغلاق إيران مضيق هرمز، وقد يسقط ترامب في فخ حرب عالمية ثالثة يحاول أن يتجنبها في إدارته لصراعاته الاقتصادية، فعلى هذه الحرب أن تنتهى الآن، لا بعد أسابيع كما يطمح نتنياهو لتفويت الفرصة على حل الكنيست ودفع حكومته خارج السلطة بإجراء انتخابات مبكرة، وترامب يدرك ذلك جيداً، ولكن رهانه على نتنياهو قد يخيب، لأنه منحه الإذن بضرب إيران، وحرمه تدخل حاملات الطائرات الأمريكية لحماية سماء إسرائيل، ليزيد الضغط الداخلي على حكومته من المعارضة وأسر المحتجزين، لينهي نتنياهو مهمته ويسقط بعدها فيجني ترامب الغنائم، ولكن أزمة ترامب تتمثل في كون مخططاته لا تقدر حسابات رد الطرف الآخر، لذا عليه أن يستمع إلى مستشاريه قبل أن تتحول الغنائم الملقاة تحت أقدامه، إلى ألغام تمزق أطراف بلاده في المنطقة، إذا ما قرر نتنياهو عقاب ترامب للتخطيط لخلعه، بقطع رأس المرشد الإيراني.

 اقرأ أيضا:

محمد شكر يكتب : حرب بالوكالة .. أم وكالة من غير بواب .. صواريخ إيران ترجئ تكريم منة شلبي في الإسكندرية السينمائي

محمد شكر يكتب لـ «30 يوم» : مقصلة زيلينسكي في البيت الأبيض .. واستراتيجية ترامب لفك ارتباط روسيا بالصين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى