توبكُتّاب وآراء

سمية عبدالمنعم تكتب لـ « 30 يوم » : صفيح الحرب الساخن وظلال التهدئة في الأفق

أربعة أيام مرت من المواجهات المتبادلة بين الطرفين، بدأتها دولة الاحتلال بعدوان سافر لأهداف بشرية وحيوية بإيران، أسفر عن مقتل عدد من القادة العسكريين والعلماء النوويين وآخرين، منهم قائد الحرس الثوري وقائد فيلق قدس وقائد أركان الجيش وكبير مستشاري المرشد الأعلى وقادة آخرون كبار، بلغ عددهم أكثر من عشرين. هكذا لم يكن بد من رد العدوان بمثله.

ربما بحسابات الأرقام تبدو خسائر إيران الأكثر والأنكى، إلا أن الواقع يجزم أن إسرائيل رغم أن عدد قتلاها لم يتخط ال٢٢، إلا أنها الأكثر انهيارا وارتباكا، فهي تتعرض لخسائر لم يسبق أن تكبدتها خلال العقود الثلاثة الأخيرة، فحتى صواريخ صدام حسين نفسه، لم تحدث مثل هذا الدمار والذعر بينهم، ومما زاد من وقع الأمر، ذلك التوقيت المتأخر من كل ليلة والذي اختاره قادة إيران لتوجيه الضربات، وهو ما ضاعف من حالة الهلع التي أثبتتها كثير من الفيديوهات- التي يحاول جيش الاحتلال منعها ومنع الصحفيين والإعلاميين من التقاطها- إلى حد فرار الكثيرين من منازلهم عرايا…

إلا أن سؤالا يظل عالقا بيننا: إلى أي مدى ستستمر تلك الحرب؟ وما تداعياتها على المنطقة خاصة إذا قررت إيران توسيع المواجهات، أو نفذت أي دولة من دول الدعم تهديدها واستخدمت الأسلحة النووية؟

ربما لو حاولنا إجابة ذلك السؤال لشابه بعض الارتباك والغموض، وذلك حتى مواجهات الأمس فقط، والتي كانت أكثرها ضراوة وحدة من الجانب الإيراني، فقد لاحظنا اليوم تغير النبرة العالمية وتحولها من التهديد والتلويح بالتدخل ضد أو مع أحد الجانبين إلى نبرة متعقلة تدعو للتصالح والجلوس إلى مائدة التفاوض.

فها هي الولايات المتحدة بعد أن صدعتنا لهجتها اللاذعة مهددة بالدعم لإسرائيل، وإمكانية المشاركة في الحرب إذا اقتضى الأمر، وهو ما تسعى إليه إسرائيل بالفعل، لإتمام خطتها بالقضاء على المشروع النووي الإيراني بمساعدة أمريكية ومباركة عالمية، وتعاطف واسع، وإلا فإن الأمر برمته سينتهي عند حد تعطيل البرنامج النووي الإيراني لفترة ثم عودة التهديد الوجودي على إسرائيل بعد سنوات لن تطول، لكن ها هو ترامب يقول في تصريح مفاجئ إن “سلاماً قريباً” بين إسرائيل وإيران ممكن، مشيراً إلى وجود اتصالات ومشاورات نشطة تهدف إلى استعادة التهدئة، مضيفا في منشور عبر منصة “تروث سوشيال” أن على الطرفين التوصل إلى اتفاق يضمن الاستقرار.

بينما كان لبعض دول الدعم الإيراني (روسيا، الصين، باكستان، كوريا الشمالية) تصريحات مشابهة، أقرب إلى التهدئة، فقد أعلن الكرملين أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مستعد للتوسط في حل النزاع بين إيران وإسرائيل إذا لزم الأمر، مؤكدا أن المقترحات الروسية لا تزال مطروحة على الطاولة.

وأشار الكرملين إلى أن اندلاع الأعمال العدائية بين إسرائيل وإيران أدى إلى تعقيد الوضع.

وطالبت روسيا إسرائيل وإيران بتجنب الأعمال التي قد تهدد أمن مواطنيها.

فيما أعرب الاتحاد الأوروبي اليوم عن قلقه العميق إزاء التصعيد الخطير بين إسرائيل وإيران.. وأكد التزامه الراسخ بالأمن الإقليمي.

ودعا الاتحاد الأوروبي – في بيان، نشرته دائرة العمل الخارجي التابعة له عبر موقعها الرسمي – جميع الأطراف إلى الالتزام بالقانون الدولي وضبط النفس والامتناع عن اتخاذ أي خطوات أخرى قد تؤدي إلى عواقب وخيمة، كاحتمال إطلاق مواد إشعاعية.

وذكر الاتحاد الأوروبي – في بيانه – أن الدبلوماسية هي التي يجب أن تسود وأنه سوف يواصل المساهمة في كافة الجهود الدبلوماسية الرامية إلى تخفيف التوترات وإيجاد حل دائم للقضية النووية الإيرانية، وهو ما لا يمكن أن يتم إلا من خلال اتفاق تفاوضي.

والأهم هنا هو تغير موقف إيران المعلن، ففي الوقت الذي أكدت فيه تمسكها بالرد على الهجمات الإسرائيلية، وقيامها بالفعل فجر اليوم الاثنين بضربة قاصمة طالت حيفا والقدس وتل أبيب، فقد نفت نيتها توسيع رقعة الحرب، متهمةً الولايات المتحدة بالمشاركة الفعلية في العدوان.

وبعيدا عن أن تلك المواجهات قد تجر العالم بأسره لحرب عالمية ثالثة، ربما هي وشيكة الحدوث بالفعل، فإن القراءة المتأنية والواقعية للأمر تؤكد ضرورة حدوث تهدئة سياسية بين الطرفين، بتدخل دول العالم الفاعلة، وأولها أمريكا وروسيا والصين، وربما كان لمصر دور أكيد في تلك التهدئة، فإن دول العالم تدرك جيدا أن تفاقم الأوضاع وتطورها في الشرق الأوسط يشكل تهديدًا مباشرًا لاستقرار الاقتصاد العالمي وبنيته الأساسية، فهذا النزاع يُعد صدمة سلبية لاقتصاد عالمي هو في أصله هش.

تُرى هل يقنع الطرفان بحلول التهدئة المحتملة، خاصة بعدما تكبداه من خسائر مادية وبشرية طائلة، أم أن ظلال “العند” بينهما سيكون لها الصوت الأعلى؟

على كلٍ، يمكن للساعات المقبلة أن تجيب تساؤلنا وتبدو عبرها الأمور أكثر وضوحا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى