إبراهيم الدراوي يكتب لـ «30 يوم» :مستقبل غزة بعد الحرب .. مصير دحلان وأبو شباب وسط التصدعات السياسية الإسرائيلية

تتشكل في قطاع غزة ملامح مرحلة جديدة مع اقتراب الحرب من نهايتها المحتملة، إذ تتسارع التحركات السياسية والأمنية لتحديد مستقبل المنطقة، وسط تحركات معقدة تشمل أطرافًا محلية وإقليمية ودولية
منذ هجوم السابع من أكتوبر 2023، تبنّت إسرائيل استراتيجية تهدف إلى استبدال قوة حركة حماس في القطاع، من خلال محاولات تجنيد أفراد من عائلات بارزة وعصابات محلية، بهدف خلق بديل سياسي وأمني يخدم مصالحها.
لكن هذه الجهود واجهت مقاومة شرسة من المقاومة الفلسطينية، التي لجأت إلى إجراءات قاسية، بما في ذلك تنفيذ إعدامات ميدانية بحق من اتُّهموا بالتعاون مع إسرائيل، مما أجهض هذه المحاولات في مهدها.
ومع استمرار الحرب وتراجع قبضة المقاومة تدريجيًا بفعل الخسائر العسكرية والضغوط الاقتصادية والإنسانية، بدأ فراغ السلطة يتسع، مما أتاح الفرصة لقوى أخرى لمحاولة ملء هذا الفراغ، سواء كانت هذه القوى منظمة أو عشوائية.
أبو شباب
من أبرز هذه القوى مجموعة أبو شباب، وهي مجموعة محلية معروفة بأنشطتها في تجارة المخدرات والأعمال غير القانونية، والتي بدأت في استغلال الفوضى الأمنية لتعزيز نفوذها، بحسب الدكتورة دينا ليسنينسكي، الخبيرة في الحركات الإسلامية بمركز موشيه دايان في جامعة تل أبيب.
ترى دينا ليسنينسكي، وفقًا لصحيفة معاريف، أن هذه العصابة ترى نفسها بديلًا محتملًا للمقاومة، مستفيدة من علاقاتها المحلية والإقليمية، لكن طابعها الإجرامي يثير تساؤلات حول قدرتها على بناء سلطة مستدامة.
في سياق موازٍ، تكشف تقارير دولية، منها ما نشرته وول ستريت جورنال العام الماضي، عن مبادرة مدعومة من أطراف أمريكية وإسرائيلية وعربية لتكليف القيادي الفلسطيني محمد دحلان أبو فادي بإدارة الملف الأمني في غزة.
يُنظر إلى دحلان، الذي نشأ في مخيمات غزة وترأس الأجهزة الأمنية الفلسطينية في التسعينيات قبل نفيه من القطاع وفصله من حركة فتح عام 2011، كشخصية تمتلك مزيجًا من الخبرة السياسية والعلاقات الدولية.
تحوُّل دحلان إلى رجل أعمال بارز ومقيم في الإمارات جعله، قادرًا على بناء شبكة علاقات واسعة تشمل دولًا عربية وغربية، مما يجعله مرشحًا جذابًا للأطراف التي تبحث عن وسيط لا ينتمي مباشرة إلى حماس أو السلطة الفلسطينية.
ورغم إعلانه عدم رغبته في قيادة القطاع بشكل مباشر، يقود دحلان تنظيمًا سياسيًا نشطًا في غزة، يعتمد على شبكة من الموالين له، بما في ذلك مجموعات محلية يُمكن أن تشكّل نواة لقوة أمنية جديدة في المرحلة الانتقالية.
سيناريوهات
هذه الشبكة، التي تعمل تحت مظلة ما يُعرف بـ التيار الإصلاحي الديمقراطي، تمنح دحلان نفوذًا غير مباشر على الأرض، مما يعزّز موقفه كلاعب محتمل في مستقبل القطاع.
ويؤكد الخبير الأمريكي آرون ديفيد ميلر، أن دحلان يمتلك الكاريزما والقبول الشعبي والعلاقات الدبلوماسية.
ميلر، الذي عمل لعقود في وزارة الخارجية الأمريكية، يرى أن هذه المقومات تجعل دحلان مؤهلًا للعب دور قيادي في غزة. وتشير مصادر دبلوماسية إلى أن إسرائيل تدرس خيارين رئيسيين لإدارة القطاع بعد الحرب.
الخيار الأول يتمثّل في إنشاء إدارة مدنية وأمنية محلية تحت إشراف دولي، مع احتمال أن يلعب دحلان دورًا مركزيًا فيها. أما الثاني، فينطوي على تسليم السيطرة إلى قوة فلسطينية موالية للسلطة الفلسطينية، لكن هذا الخيار يواجه تحديات.
على الجانب الإسرائيلي، تواجه حكومة بنيامين نتنياهو تحديات داخلية قد تعرقل أي خطط طويلة الأمد لإدارة غزة، إذ إن الخلافات المتصاعدة مع شركاء نتنياهو المتشددين، مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، تهدد بإسقاط الائتلاف الحاكم، خاصة مع تزايد الضغوط الشعبية والسياسية الناتجة عن استمرار الحرب وتداعياتها الاقتصادية.
هذه التصدعات قد تجبر إسرائيل على الإسراع في اتخاذ قرارات حاسمة بشأن غزة، خشية أن تؤدي الفوضى إلى تصعيد أمني غير متوقَّع.
المستقبل
يتوقّع أن يتشكّل مستقبل غزة بناءً على توازن القوى بين الأطراف المحلية والإقليمية، وإذا نجح دحلان في استغلال دعمه الإقليمي والدولي، قد يصبح الشخصية المحورية في إدارة المرحلة الانتقالية، خاصة إذا تمكّن من بناء تحالف محلي مدعوم بقوة أمنية موالية له.
مع ذلك، فإن هشاشة الوضع الأمني وتعدُّد اللاعبين، بما في ذلك صعود قوى غير تقليدية مثل مجموعة أبو شباب، قد يؤدي إلى حالة من الفوضى إذا فشلت الترتيبات السياسية، كما أن استمرار الانقسامات الفلسطينية بين حماس والسلطة الفلسطينية وتيار دحلان قد يعيق أي تقدُّم نحو إدارة موحدة للقطاع.
الفترة المقبلة ستكون حاسمة لتحديد ما إذا كانت هذه السيناريوهات ستنتقل من مرحلة التخطيط إلى التنفيذ، أم أن الصراعات الداخلية والضغوط الخارجية ستطيل أمد الفوضى، مما يزيد من تعقيد المشهد في غزة ويؤخّر أي استقرار محتمل؟