الأديبة السورية هيام سلوم تكتب لـ «30 يوم» : : العلويون بين الأسطورة والتاريخ .. جدل الهوية والعقيدة من آريوس إلى أبي تراب

كثيرة هي الأسئلة التي تُثار حول العقيدة العلوية، وتزداد في ظل ما تتعرض له الطائفة العلوية من حملات تشويه فكرية وتاريخية تجعل أبناءها أحيانًا في حيرة من أمرهم، بين ما يُقال عنهم وبين ما يعرفونه في صميم وجدانهم.

هذه المقالة تسعى لعرض صورة وافية عن المعتقد العلوي بجذوره الفكرية والدينية والثقافية، مستندة إلى الموروثات القديمة والنصوص التي تعيد تعريف العلويين ليس كطائفة هامشية، بل كشعبٍ له تاريخه الضارب في أعماق الزمن، وهويته الممتدة إلى عصور ما قبل الأديان السماوية.

رداً على من يسأل عن المعتقد العلوي وما يتعرض له فكر وتاريخ الطائفة العلوية من تشويه جعل العلويين أنفسهم في حيرة وشك مع ذاتهم بعد مذبحتهم التي ما زالت قائمة، سيخبرون العالم بما يعرفه الغرب عنهم وخاصة فرنسا، وسيقولون إنهم شعب هذه الأرض الأصلي منذ فجر التاريخ، و ليسوا طارئين على الأرض، ولا تجوز المقارنة بينهم وبين الأمويين، ولا بينهم وبين العباسيين.

العلويون تاريخ، والأمويون حالة، ونحن لن نسمح باختصار العلويين بحقبة الأسد.

أوغاريت عاصمة العلويين التاريخية في اللاذقية، والتي وُجدت فيها أول أبجدية، من اخترعها هم العلويون وكانت وسيلة ليُعلموا باقي البشر التواصل معهم.

إن أبجدية العلويين فيها أحرف تشبه الأحرف النبطية، وهي لا تزال أشبه باللغز التاريخي، وبها كُتبت الكتب الإبراهيمية والإنجيل، ولا يزال في بداية بعض سور القرآن أحرف تشير إلى هذا اللغز (الم، ألر، كهيعص، يس…).

يرى المسلمون القرآن كتابًا يسرد قصص التاريخ وتعاليم الدين، بينما يذهب العلويون أبعد من ذلك لاعتباره شيفرة كونية يمتلكون أكوادها لامتلاكهم أسرار الترميز من الأحرف النبطية.

العلويون هم الآريسيون الذين ذُكروا في كتاب النبي محمد إلى هرقل، عندما قال له: “أسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتين، وإلا فعليك إثم الأريسيين” ، أي تحمّل وزر عدم وصوله إلى الأريسيين، وهم فرقة موحدة من النصارى، رفضوا دعوة تأليه المسيح وتسويته بالإله الواحد.. وكان آريوس سيدًا من النصارى، وهو جدّ العلويين .

فالعلويون الأريسيون أول من قالوا بمبدأ التوحيد وفصل الدين عن المبدأ.

تنقل العلويون من الأفلاطونية إلى اليهودية، وعُرفوا بالإثنيين، ثم من اليهودية إلى المسيحية وسُمّوا بالأريسيين، ومن المسيحية إلى الإسلام وسُمّوا بالإيبنونيين (نسبة للإمام علي بن أبي طالب الذي لُقّب بأبي تراب، أي أبو الأبناء الترابيين، أو المسيح ابن الإنسان).

للعلويين سبعة من الأسماء المرتبطة بظهور الوصي في كل زمن، وهو ما أشار إليه الإمام علي عندما قال: “اسمي في التوراة أحيا، وفي الإنجيل إيليا، وفي القرآن عليًّا”.

أهم الأريسيين في رسالة محمد .

هم القس ورقة بن نوفل، والراهب بحيرى العالم المعروف. وكان يسكن أتباعه في تدمر التي حكمتها زنوبيا، وهو الاسم النبطي لزينب، الاسم الذي تسمت به ابنة النبي وابنة الإمام علي.

قبيلة القس ورقة هي قبيلة عليّة، والعليّون من أسلاف العلويين، وأشهر رجالات عليون الكاهن سطيح الذي تغنّى به الخصيبي .

من لايسمع بـ ( جبلة بن الأيهم ملك سوريا )وهو الذي فتح أبواب دمشق.

من أحفاد جبلة بن الأيهم – أحمد بن عبد الوهاب بن جبلة بن الأيهم بن أبي العريضي الغساني، وهو أكبر رموز وفلاسفة العلويين، وهو نفسه الشيخ العلامة (أحمد قرفيص).

وسُمّيت مدينة جبلة نسبة إلى جبلة بن الأيهم الملك العلوي الرومي.

الروم العرب هم العلويون المذكورون في سورة الروم: “غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ”.

العلويون أفلاطونيون ويهود ونصارى ومسلمون. العلويون أقدم الموحّدين على الأرض. العلويون مرتبطون روحيًّا وثقافيًّا ودمويًّا بالروم واليونانيين القدماء أكثر من ارتباطهم بالقرشيين.

من خلال هذا العرض، يتبين للقارىء أن العلويين ليسوا مجرد طائفة دينية نشأت على هامش التاريخ الإسلامي، بل هم شعب متجذر في الأرض والتاريخ.

إن اختزال العلويين في أي حقبة زمنية أو شخصية سياسية يُعدّ تبسيطًا مخلًّا بحقيقة شعبٍ يمتدّ جذره إلى أوغاريت وآريوس وورقة بن نوفل، ويحمل رمزية كبرى في الجدل البيزنطي والتاريخ الديني.

والعلويون ينتمون إلى الإسلام بروح تأويلية عميقة تنظر إلى القرآن كرمز كوني مشفّر، لا كسردٍ تاريخي فقط.

العلويون امتداد حضاري وروحي لمنطقة المشرق، يحفظون إرثه ويحمونه في وجه محاولات الطمس والتشويه، ويستعدّون لقول كلمتهم للعالم، لا بلغة الدفاع، بل بلغة الوجود والهوية العريقة.

اقرأ أيضا

السورية هيام سلوم تكتب لـ «30 يوم» : مذكرات في الحب