إبراهيم الدراوي يكتب لـ «30 يوم» : بعد 600 يوم قتال .. احتمالات تصاعد المقاومة الفلسطينية وسط أزمة إسرائيلية وتخبط أمريكي

الأيام القليلة المقبلة في قطاع غزة ستشهد تصعيدًا غير مسبوق، عبر تكثيف العمليات العسكرية الإسرائيلية التي توُصف بـ بوابات الجحيم، في محاولة يائسة لكسر إرادة المقاومة الفلسطينية وتحقيق أهداف لم تُحقق بعد رغم مرور أكثر من 600 يوم من الحرب الدامية
دوي الانفجارات، الناتج عن قصف جوي وبري وبحري مكثف، لم يقتصر على محيط غزة أو مدن مثل أشكلون، بل امتد ليُسمع في ريشون لتسيون وبات يام، مما يكشف عن حجم العنف الذي يمارسه الجيش الإسرائيلي.
لكن هذا العنف، الذي يستهدف مناطق مثل رفح وخانيونس وجباليا، لم ينجح في تحقيق أهدافه الاستراتيجية، سواء بـ تطهير الأحياء أو تحرير 58 أسيرًا إسرائيليًا، أو حتى كسر حركة حماس التي لا تزال صامدة رغم الحصار الخانق وفقدانها الجزئي للسيطرة على توزيع المساعدات الإنسانية.
في غزة، يواجه الشعب الفلسطيني ظروفًا كارثية، حيث تتفاقم المجاعة وتتزايد الفوضى، وهو ما يُطلق عليه الجيش الإسرائيلي مشاهد صومالية، وهذه المشاهد، التي تُظهر معاناة إنسانية غير مسبوقة.
أصبحت المعاناة سيفًا ذا حدين؛ فهي من جهة تزيد الضغط الدولي على إسرائيل، ومن جهة أخرى تُشعل غضب الشعب الفلسطيني الذي بدأ يكسر حاجز الخوف تجاه حماس، وقد يمتد هذا التحرر ليشمل القوات الإسرائيلية نفسها.
الجيش الإسرائيلي يدرك هذا الخطر، ويخشى أن يتحول الغضب الشعبي إلى انتفاضة شاملة تضعه في مواجهة مباشرة مع سكان القطاع، ولذلك، يحاول الجيش، عبر حملات وعي موجهة وحركة عسكرية مكثفة، فصل السكان عن حماس، لكن هذه الجهود تبدو متعثرة أمام صمود الفلسطينيين وإيمانهم بحقهم في المقاومة.
على الصعيد الدولي، تواجه إسرائيل عاصفة من الضغوط.. دول أوروبية كبرى مثل ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإسبانيا بدأت تطالب علنًا بوقف الحرب، وبعضها يتجه نحو فرض عقوبات اقتصادية وسياسية.
هذا التحول يعكس تراجعًا كبيرًا في النفوذ الإسرائيلي، حيث أصبحت صور الدمار والمجاعة في غزة محركًا لتغيير الرأي العام العالمي ضد إسرائيل.. الولايات المتحدة، التي كانت الداعم الأول لإسرائيل، تبدو في موقف متأرجح، وإدارة الرئيس دونالد ترامب، رغم استمرار دعمها العسكري والسياسي، منشغلة بمفاوضات مع إيران تهدف إلى تحقيق استقرار إقليمي، وهو ما يجعل دعمها لإسرائيل مشروطًا.
إسرائيل تدرك أن هذا الدعم قد يتغير بين عشية وضحاها إذا قرر ترامب إعادة تقييم أولوياته، مما يضعها في موقف هش أمام العالم.
في سياق موازٍ، يبرز قرار إسرائيل بمنع وفد وزراء الخارجية العرب، بقيادة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، من زيارة رام الله كدليل على حالة القلق التي تعيشها حكومة نتنياهو.
هذا القرار ليس مجرد إجراء إداري، بل محاولة لإجهاض أي تحرك عربي أو دولي يعزز من مكانة السلطة الفلسطينية أو يدعم إقامة دولة فلسطينية، لكنه يكشف في الوقت ذاته عن ضعف إسرائيل الاستراتيجي.
التحرك العربي الموحد، الذي يتجلى في الاستعدادات لمؤتمر نيويورك الدولي برعاية السعودية وفرنسا، يعكس عودة قضية فلسطين إلى صدارة جدول الأعمال العربي والدولي، رغم الجهود الإسرائيلية الأمريكية السابقة لتهميشها عبر الاتفاقات الإبراهيمية.
هذه الاتفاقات، التي سعت لتصوير الصراع العربي-الإسرائيلي كقضية ثانوية وتحويل إسرائيل إلى مركز تحالف أمني واقتصادي إقليمي ضد إيران، تترنح الآن أمام الزخم الفلسطيني والعربي.
منع الوفد العربي من زيارة رام الله لن يوقف التحولات الدولية، خاصة الأوروبية، التي تميل بشكل متزايد لدعم حل الدولتين والاعتراف بدولة فلسطين، كما أنه لن يرضي إدارة ترامب، التي تسعى للحفاظ على توازنات دقيقة في المنطقة.
القرار الإسرائيلي يكشف عن انسداد الأفق السياسي، حيث ترفض إسرائيل أي حل سياسي وتتمسك بالحل العسكري رغم فشله المتكرر.
في المقابل، يعزز هذا التعنت الأصوات الدولية التي تدعو إلى فرض حل الدولتين، مدركة أن إسرائيل لن تقبله طواعية، وأن الطرف الفلسطيني لا يملك القدرة على تحقيقه بمفرده.
في غزة، تواجه حماس تحديات معقدة، من جهة، تقاوم آلة الحرب الإسرائيلية التي تستخدم كل أنواع الأسلحة لتدمير بنيتها التحتية وقتل قياداتها.
من جهة أخرى، تواجه ضغوطًا داخلية من سكان القطاع الذين يعانون من المجاعة وانعدام الأمن.
لكن حماس، بفضل إيديولوجيتها السلفية الجهادية، تظل متمسكة بإيمانها بـالجهاد والشهادة، وترى أن تفاقم الأوضاع الإنسانية في غزة سيؤدي إلى زيادة الضغط الدولي على إسرائيل، مما قد ينقذها في اللحظة الأخيرة.
هذه الاستراتيجية، رغم مخاطرها، تبدو فعالة حتى الآن، حيث يفشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق نصر حاسم، بينما يتزايد الغضب الشعبي في غزة، والذي قد يتحول إلى قوة ثورية تغير المعادلة.
الأيام المقبلة ستكون حاسمة.. إسرائيل، التي تواجه ضغوطًا دولية متصاعدة وفشلًا عسكريًا واضحًا، قد تجد نفسها مضطرة لقبول هدنة أو وقف إطلاق نار تحت ضغط أمريكي أو أوروبي؛ لكن هذا الخيار لن يكون انتصارًا لها، بل تراجعًا أمام صمود الشعب الفلسطيني وحركة حماس.
في الوقت ذاته، يبرز الشعب الفلسطيني كالعامل الحاسم في هذا الصراع، حيث يثبت يومًا بعد يوم أن إرادته لا تُكسر، حتى في ظل أقسى الظروف.
التحرك العربي والدولي، بدعم من دول مثل مصر والسعودية وفرنسا، يعزز من فرص إعادة إحياء حل الدولتين، رغم التعنت الإسرائيلي.
المشهد يبقى مفتوحًا على احتمالات متعددة: هل سترفع حماس الراية البيضاء وتقبل بمقترح أمريكي؟ هل سينتفض سكان غزة ضد الاحتلال مباشرة؟ أم أن الضغوط الدولية ستجبر إسرائيل على التراجع؟
لا أحد يملك إجابة نهائية، لكن ما هو مؤكد أن فلسطين، بشعبها وقضيتها، تعود بقوة إلى قلب الصراع العالمي، مدعومة بصمود لا يلين وزخم دبلوماسي غير مسبوق.
اقرأ أيضا