أخبار مصرتوبمنوعات

نسائم الجمعة .. أسباب تميز العشر الأوائل من ذي الحجة .. والأعمال الفاضلة فيها

هذه الأيام هي موسم من مواسم الطاعات والخيرات، فيها يتنافس المتنافسون، ويتسابق إليها المتسابقون، ولِمَ لا؟ وهي أفضل أيام الدنيا، والعمل الصالح فيها خير من الجهاد في سبيل الله تعالى.

إنها أيام أقسم الله تعالى بها؛ فقال تعالى: ﴿وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ [الفجر: 1، 2]، وهي عشر ذي الحجة، في قول جمهور المفسرين، وقال به ابن عباس، وابن الزبير، ومجاهد.

وإقسام الله سبحانه وتعالى بها تنويهٌ بقدرها وفضلها، ولفت النظر إليها.

قال ابن حجر: والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة؛ لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه؛ وهي الصلاة والصيام، والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره.

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، فقالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء)؛ [أخرجه البخاري والترمذي].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “واستيعاب عشر ذي الحجة بالعبادة ليلًا ونهارًا أفضل من جهاد لم يذهب فيه نفسه وماله، والعبادة في غيره تعدِلُ الجهاد للأخبار الصحيحة المشهورة، وقد رواها أحمد وغيره”

قال الحافظ ابن رجب: وهذا الحديث نصٌّ في أن العمل المفضول يصير فاضلًا إذا وقع في زمان فاضل، حتى يصير أفضل من غيره من الأعمال الفاضلة؛ لفضل زمانه، وفيه أن العمل في عشر ذي الحجة أفضل من جميع الأعمال الفاضلة في غيره، ولا يُستثنى من ذلك سوى أفضل أنواع الجهاد، وهو أن يخرج الرجل بنفسه وماله، ثم لا يرجع منهما بشيء، فهذا الجهاد بخصوصٍ يفضُل على العمل في العشر، وأما سائر أنواع الجهاد مع سائر الأعمال، فإن العمل في عشر ذي الحجة أفضل منها.

وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل أيام الدنيا أيامُ العشر)؛ [رواه أبو يعلى بإسناد صحيح].

* أيهما أفضل عشر ذي الحجة أم العشر الأواخر من رمضان؟

قال ابن القيم: قد سُئِلَ شيخ الإسلام ابن تيمية عن عشر ذي الحجة، والعشر الأواخر من رمضان، أيهما أفضل؟

فقال: أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة”

قال ابن القيم معلقًا:وإذا تأمل الفاضل اللبيب هذا الجواب وجده شافيًا كافيًا، فإنه ليس من أيام العمل فيها أحب إلى الله من أيام عشر ذي الحجة، وفيهما: يوم عرفة ويوم النحر، ويوم التروية.

وأما ليالي عشر رمضان، فهي ليالي الإحياء التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحييها كلها، وفيها ليلة خير من ألف شهر، فمن أجاب بغير هذا التفصيل، لم يُمْكِنْه أن يُدلِيَ بحُجَّة صحيحة”.

قال ابن رجب: “وأما نوافل عشر ذي الحجة، فأفضل من نوافل عشر رمضان، وكذلك فرائض عشر ذي الحجة تُضاعَف أكثر من مضاعفة فرائض غيره” .

الأعمال الفاضلة في عشر ذي الحجة:

1- شكر الله على هذه النعمة:

فعلى كل مسلم أن يشكر الله تعالى على أن بلَّغه هذه العشر، التي هي أفضل أيام الدنيا؛ فإن من أسباب زيادة النعم أن يقابلها العبد بالشكر؛ قال عز وجل: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم: 7].

قال ابن رجب: فأما من حسُن عمله وكثُر، فإنه ينبغي له أن يشتغل بالشكر عليه، فإن ذلك من أعظم نِعَمِ الله تعالى على عبده، فيجب مقابلته بالشكر عليه، وبرؤية التقصير في القيام بشكره”.

2- الإكثار من ذكر الله تعالى:

  • قال تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة: 203].
  • وقال تعالى: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾ [الحج: 28].
  • وجمهور العلماء على أن الأيام المعلومات هي أيام العشر.
  • قال ابن عباس رضي الله عنهما: “واذكروا الله في أيام معلومات: أيام العشر، والأيام المعدودات: أيام التشريق”؛ [رواه البخاري في الصحيح معلقًا، ووصله ابن حجر في التغليق وصححه].
  • وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلّ الله عليه وسلم قال: (ما من أيام أعظم عند الله تعالى، ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر؛ فأكْثِروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد))؛ [رواه أحمد بسند صحیح].

كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهم يخرجان إلى السوق في أيام العشر يُكبِّران، ويُكبِّر الناس بتكبيرهما؛ [رواه البخاري معلقًا].

  • قال ميمون بن مهران: “أدركت الناس وإنهم لَيُكبِّرون في العشر، حتى كنت أشبِّهه بالأمواج من كثرتها، ويقول: إن الناس قد نقصوا في تركهم التكبير”

ومن صيغ التكبير:

ما صح من تكبير عليٍّ وابن مسعود رضي الله عنهما: “كانا يقولان: (الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد)”.

  • وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يُكبِّر من غداة عرفة إلى آخر أيام التشريق، وكان تكبيره: “الله أكبر كبيرًا، الله أكبر كبيرًا، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله الله أكبر، الله أكبر على ما هدانا”.

3- الدعاء:

فهو العبادة، وهذه الأيام أيام دعاء، إذا كان فيها المسلم صائمًا قائمًا، ذاكرًا متصدقًا، فلْيُكْثِرْ من الدعاء، وخاصة في يوم عرفة.

  • ففي الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل ‌الدعاء ‌دعاءُ يومِ عرفةَ، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)
  • وعند أحمد بسند حسن عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: (كان أكثر دعاء رسول الله صلّ الله عليه وسلم يوم عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير).

4-: تفطير الصائمين:

ومن باب حرص المسلم على مضاعفة أجره في صيام هذه العشر، فيستطيع ذلك بالسعي في تفطير الصائمين، إما من ماله، أو بإرشاد أهل الخير إلى ذلك، فهو بنيته والمتصدق سواء.

عن زيد بن خالد الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من فطَّر صائمًا، كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئًا).

5-  قراءة القرآن:

ومن أفضل القُرَبِ في هذه الأيام الصالحة قراءةُ القرآن.

عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ‌قرأ ‌حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف))؛ [أخرجه الترمذي (2910)، وقال: حديث حسن صحيح غريب].

6- قيام الليل:

  • هي عبادة عظيمة، كفاها قدرًا أنها شرف المؤمن، وليس لأي أحد أن يوفَّق إليها، إلا أناسًا اصطفاهم الله تعالى لخيره، وربَّاهم على عينه، واصطنعهم لنفسه.

ولو لم يأتِ في فضل قيام الليل إلا هذه، لَكَفَت وشَفَت: ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ﴾ [الشعراء: 218].

  • وقال تعالى: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [السجدة: 16].

قال سعيد بن جبير: “لا تُطْفِئوا سُرُجَكم ليالي العشر”.

7- الصدقة:

  • قال تعالى: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ [سبأ: 39].
  • وقال النبي صلّ الله عليه وسلم: (الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار))؛ [رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح].
  • وأخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله ‌عبدًا ‌بعفوٍ إلا عزًّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله عز وجل))

فليكن لك وِرْدٌ من الصدقات في يوميات العشر، ولا تحقِرَنَّ من الصدقة شيئًا؛ فرُبَّ شق تمرة لا تُلقي لها بالًا، يثقُل به ميزان حسناتك، فتكون بها نجاتك.

  • قال رسول الله صلّ الله عليه وسلم: (من استطاع منكم أن يستتر من النار ولو بشق تمرة، فليفعل))؛ [متفق عليه].
  • أنفق ولا تخَفْ فقرًا ولا تخشَ…
  • قال تعالى: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 268].
  • قال تعالى: ﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ﴾ [محمد: 38].

8- الصوم:

  • ولا شك أن الصوم من أفضل القربات والباقيات الصالحات.

وكفى في فضل الصوم قول الله تعالى: (كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به).

  • وقال النبي صلّ الله عليه وسلم: (عليك بالصوم فإنه لا مثل له)؛ [أخرجه أحمد، وصححه الألباني].

وعن ‌أبي سعيد رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من صام يومًا في سبيل الله، بعَّد الله وجهه عن ‌النار ‌سبعين خريفًا))؛ [متفق عليه].

وعن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئِل عن صوم يوم عرفة، فقال: ((يُكفِّر السنة الماضية والباقية))؛ [مسلم (1162)].

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى