توبرياضةكُتّاب وآراء

عادل يوسف يكتب لـ «30 يوم» : عدالة مع إيقاف التنفيذ

لم يكد الغبار يهدأ بعد نهاية موسم رياضي مضطرب، حتى فوجئ الشارع الكروي المصري بقرار جديد يُعيد فتح ملفات قديمة لطالما أثارت الجدل: إلغاء الهبوط من الدوري الممتاز .. هذا القرار، الذي يبدو في ظاهره “إسعافيًا” لإنقاذ بعض الأندية من شبح الهبوط.

هذا القرار الغاشم يفتح الباب أمام تساؤلات جدية حول مفهوم العدالة التنافسية، مستقبل الكرة المصرية، والأهداف الحقيقية وراء مثل هذه القرارات التي تضرب بعرض الحائط مبدأ الصعود والهبوط، وهو جوهر أي مسابقة رياضية محترمة.

لا شك أن الأندية التي كانت على وشك الهبوط هي الرابح الأكبر من هذا القرار، تنفست الصعداء بعد موسم عانت فيه من سوء النتائج، أو ضعف الإدارة، أو قلة الإمكانيات، اخص بالذكر النادي الجماهيري العريق الدراويش.

أصبح السؤال لماذا تبذل الأندية قصارى جهدها لتجنب الهبوط إذا كان هناك “طوق نجاة” جاهز لإنقاذها في اللحظات الأخيرة؟ هذا القرار يقتل الروح القتالية في الفرق، ويقلل من قيمة المباريات التي تقام في ذيل الجدول، والتي تكون في كثير من الأحيان أكثر إثارة وحماسًا من مباريات القمة.

الجمهور يخسر أن يتابع بشغف مباريات الهبوط، والتي غالبًا ما تشهد دراما غير عادية ويخسر اللاعبون الذين قد يفقدون دافعهم لتقديم أفضل ما لديهم في ظل غياب عامل الضغط.

علامات استفهام كبرى حول التخطيط الاستراتيجي للكرة المصرية، هل تعاني الأندية من مشاكل هيكلية تستدعي مثل هذه “الإسعافات الأولية” المتكررة؟ أم أن هناك قصورًا في رؤية المسؤولين يضطرهم للجوء إلى الحلول المؤقتة على حساب المستقبل؟

يجب أن نعترف بأن الأندية التي تهبط لا تفعل ذلك بمحض الصدفة، هناك أسباب واضحة ومباشرة تتعلق بالإدارة، بالإنفاق، باختيار اللاعبين، وبالرؤية الفنية.

بدلًا من معالجة هذه الأسباب الجذرية، يتم اللجوء إلى “مسكن” مؤقت هو إلغاء الهبوط، مما يؤجل المشكلة ولا يحلها. بل قد يساهم في تفاقمها على المدى الطويل، حيث تعلم الأندية أن هناك مخرجًا سهلًا من مأزق الهبوط.

ماذا عن الأندية التي صعدت من الدرجة الثانية بعد كفاح مرير ومنافسة شرسة؟ هل تكافأ هذه الأندية باللعب في دوري لا يوجد فيه مبدأ الهبوط؟ وما الرسالة التي تصلها هذه الأندية بأن الجهد الذي بذلته قد لا يكون له نفس القيمة في ظل سياسات متقلبة؟

كما أن هذا القرار قد يؤدي إلى زيادة عدد الفرق في الدوري الممتاز، مما يزيد من أعباء المباريات، ويقلل من جودتها، ويؤثر سلبًا على روزنامة المسابقات المحلية والقارية ومصير المنتخبات الوطنية ومعسكراتها وتجهيزتها.

الكرة المصرية بحاجة ماسة إلى رؤية استراتيجية واضحة المعالم وإقرار قانون الرياضة علي اكمل وجه وفي اسرع وقت ، تستند إلى مبادئ ثابتة من العدالة والتنافسية، بعيدًا عن القرارات الانفعالية أو الموسمية. يجب أن يكون هناك تركيز على دعم الأندية ماليًا وإداريًا وفنيًا، ووضع آليات لضمان استقرارها وتطويرها، بدلًا من اللجوء إلى حلول تجميلية لا تعالج جوهر المشكلة.

الهبوط ليس عقابًا، بل هو جزء طبيعي من أي نظام رياضي صحي، لأنه دافع للأندية لتحسين أدائها، ومحرك للندية والإثارة، وضمانة للعدالة التنافسية. وبإلغائه، فإننا ننزع من الدوري المصري جزءًا أساسيًا من روحه، وندفع ثمن ذلك على المدى الطويل من تراجع في المستوى، وغياب للجدية، وتقلص لشغف الجماهير، فهل تعي الأيادي التي تتخذ هذه القرارات حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها، قبل أن نجد أنفسنا في دوري بلا طعم ولا لون، حيث الكل باقٍ، والكل خاسر؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى