صبري حافظ يكتب لـ «30 يوم» : بلينل .. والصرخة الأوروبية

التحول الكبير في السياسة الأوروبية الخارجية وتعديل موقفها من المتفرج إلى الفاعل نسبيًا تجاه غزة، هو نتاج طبيعي للضغوط المتزايدة داخل معظم الدول الأوروبية، وذلك على خلفية التطورات في غزة والضفة، وما تقوم به إسرائيل من مجازر وإبادة جماعية طوال عام ونصف العام.
وكانت نقطة التحول هي الانتقاد الشديد الذي وجهه الكاتب الفرنسي الشهير “إدوي بلينل” ضد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وأصدقائه من قادة أوروبا، في مقال نُشر بموقع “ميديابارت”، منتقدًا السياسة الفرنسية والأوروبية، وردود أفعالها الصادمة، والاكتفاء بالتصريحات والانتقادات دون خطوات عملية تُجبر الكيان الصهيوني على التوقف عن هجومه الوحشي.
وبعد ساعات قليلة، جاء تأكيد الرئيس الفرنسي ماكرون، ورئيسي الوزراء البريطاني كير ستارمر ومارك كارني يوم الاثنين الماضي، بأنهم لن يقفوا “مكتوفي الأيدي” أمام مذابح إسرائيل في غزة.
وقد ترافق ذلك مع تفعيل المطالبة بوقف اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، وتأكيد وزيرة خارجية السويد أن بلادها ستوقع عقوبات اقتصادية على إسرائيل ومسؤولين في دولة الاحتلال.
وكشف “بلينل” بوضوح أن مجرد التصريحات الرنانة غير كافٍ للجم آلة الحرب الإجرامية ضد شعب أعزل، الذي يتعرض لاستخدام سلاح الجوع والحصار للضغط عليه ورفع الراية البيضاء.
ووصف الكاتب الفرنسي بلينل تصريحات ماكرون والقادة في أوروبا، التي تفتقر إلى خطوات فعالة، بأنها أشبه بمن يغني على المسرح دون جمهور أو صوت مسموع، لغياب الإجراءات العملية الفعالة لمواجهة إسرائيل وجعلها تشعر بخطر يهدد الكيان المغتصب.
ورغم تصريحات ماكرون الأخيرة المساندة لفلسطين والمطالبة بحل الدولتين، إلا أن بعض الساسة والمثقفين والكتاب الفرنسيين اعتبروها غير كافية، مؤكدين ضرورة اتخاذ خطوات عملية ضاغطة لوقف الحرب وإدخال المساعدات لقطاع غزة.
وذكّر بلينل رئيسه ماكرون بمقابلة تلفزيونية له قبل أيام، وصف فيها أفعال إسرائيل في غزة بالعار، وعلق بلينل على تصريحات ماكرون في هذه المقابلة التلفزيونية بقوله: “إذا كان هناك عار، فهو عارك أنت”، في إشارة إلى عدم اتخاذ باريس إجراءات عملية لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة.
والسؤال المطروح هو: هل الخطوة التي أقدم عليها الأوروبيون كافية لوقف الحرب، وسحب إسرائيل عتادها من غزة، وفتح أبواب المساعدات دون مضايقات أو قتل للمدنيين الساعين لسد رمقهم من أصحاب البطون الخاوية منذ شهور؟
وتبقى الحلقة الأضعف في وقف الحرب هي “أمريكا” وحليفتها إسرائيل، فهما وجهان لعملة واحدة، ولن يتحركا إلا إذا شعرا بأن مصالحهما تتضرر. والمظاهرات الداخلية والضغوط المحلية لا تمثل لهما الكثير، وما يزعج الحليفين حقًا هو درجة الضغوط وارتباطها بمعادلة المكسب والخسارة الحقيقية، خاصة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يسيل لعابه للعائد المادي، وقد عاد لتوه بحاملة طائراته من البحر الأحمر لبلاده بعد أن استشعر الخسائر المادية والمعنوية خلال فترة وجيزة، تاركًا حليفته إسرائيل تجر أذيال الخيبة في مستنقع الحوثيين.
ترامب، وفي طريق عودته من رحلته الخليجية التي حمل معه فيها ما يزيد عن 4 تريليون دولار في صورة صفقات استثمارية متنوعة، أكد دعمه لإسرائيل ولم يتغير موقفه تجاه نتنياهو رغم “نغمة” الخلافات، فهي تمثيلية للضحك على الذقون!
ترامب لا يُعوّل عليه كثيرًا لأنه كثير التردد، وما يقوله اليوم يغيره غدًا، وقد أخذ ما أراده دون ضغوط أو مقايضة بين ما يحصل عليه وما سيفعله تجاه الشعب المسكين المذبوح!!
اقرأ أيضا-
صبري حافظ يكتب لـ «30 يوم» : أوضاع منسية بين المالك والمستأجر
صبري حافظ يكتب لـ «30 يوم» : رسالة من مستأجر