أخبار مصرتوبكُتّاب وآراء

د. أمل رمزي تكتب لـ «30 يوم» : صدى صوت بلادي جاءني من بغداد .. مصر تكتب صفحة جديدة في كتاب العروبة

ليس من عادة القمم العربية أن تُحدث مفاجآت كبرى، لكن قمة بغداد في دورتها الرابعة والثلاثين جاءت وسط ظروف استثنائية تفرض على الجميع وقفة حقيقية، ولو متأخرة.

انعقاد القمة في العاصمة العراقية لم يكن إعلانًا عن لحظة تاريخية فاصلة بقدر ما كان نافذة أمل صغيرة في جدار مسدود.

جاء الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى قمة بغداد، ليس بصفته زعيم دولة كبيرة فحسب، بل بوصفه حاملًا لإرث حضاري وتاريخي، وممثلاً لصوت عربي أصيل لم يفقد البوصلة وسط الضجيج، ولم يترك القضية الفلسطينية وحدها في مهب التجاهل.

كانت كلماته واضحة، لم تبالغ في الشعارات، لكنها لم تساوم على الحق، تحدّث عن غزة كجرح مفتوح، وعن سوريا ولبنان واليمن كأوجاع ممتدة، لكنه منح فلسطين موقعها الطبيعي في ضمير الأمة، وطرح دعوة جادة لتنظيم مؤتمر دولي لإعادة إعمار القطاع المنكوب

لقد عبرت كلمة الرئيس عن الموقف في أصدق معانيه، حين قال إن سلامًا دون فلسطين هو سلام مؤجل الانفجار.. هنا الرئيس لم يساير الجو العام، بل واجه الحقيقة.. أن من يتجاوزون القضية الفلسطينية يمرّون فوق جرح لم يلتئم.. وربما كانت رسالته للعرب أكثر من إسرائيل: انتبهوا، لا تصدّقوا أن المأساة انتهت، فطالما بقي الفلسطيني محرومًا من دولته، فكل حديث عن استقرار لا يعدو كونه مراوغة سياسية، لا أكثر.

ثم جاءت دعوته لعقد مؤتمر دولي لإعادة إعمار غزة، ليست مجرد مبادرة دبلوماسية، بل شهادة بأن مصر لا تغلق دفاترها قبل أن تواسي المجروحين، وتضمد الجراح، وتحول الألم إلى مشروع بناء.. إنها مصر التي لا تحتمي بالمواقف الرمادية، بل تمضي إلى حيث ينبغي أن تكون.

تحدث عن غزة لا كأزمة طارئة، بل كجريمة تاريخية، عن تهجير لا يليق بالقرن الواحد والعشرين، وعن آلة حرب لا تميز بين طفل وحجر، ولا بين خبز ومقبرة.

أنا، كمواطنة مصرية، شعرت في تلك اللحظة أنني لست فقط أتابع خطاب رئيسي، بل أسمع صدى صوت بلدي.. في كلماته، كان الوطن كله حاضرًا، من أسوان إلى الإسكندرية، ومن القرى الفقيرة إلى الجامعات العريقة، ومن قلب أم تبكي على غزة، إلى يد طبيب مصري يعالج جريحًا في الميدان.

توقيت الكلمة شديد الدلالة،، فهي تأتي في لحظة تبدو فيها العروبة بين الانقسام والتردد، وفي وقت فقدت فيه القمم بريقها، لكن السيسي، بعقلانية الموقف وحرارة الانتماء، جعل من بغداد منبرًا لعودة الكلمة إلى مكانها الطبيعي: في صف الضحية لا الجلاد، في صف الشعب لا حسابات الكواليس.

وأنا هناك كمواطنة مصرية، قبل موقعي في مجلس الشيوخ ، لا أجد حرجًا – بل أجد واجبًا – أن أقول إنني أشد على يديه، وأقف خلفه، لأن من ينطق باسم غزة، ينطق باسم الإنسانية، ومن يطالب بتحرك حقيقي، لا يتاجر بالدماء، بل يصونها، ومصر – بفضل قيادتها ووعي شعبها – تكتب صفحة جديدة في كتاب العروبة، عنوانها: “الفعل قبل القول، والموقف قبل البيان، والقدس في القلب قبل الأجندات.”

 اقرأ أيضا

د. أمل رمزي تكتب لـ «30 يوم» : بين بندقية لندن ودماء غزة .. أين يقف الضمير؟ .. رصاص بريطاني في صدر الحقيقة

 كاتبة المقال: النائبة الدكتورة أمل رمزي عضو الهيئة العليا لحزب الوفد.. وعضو مجلس الشيوخ المصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى