خالد إدريس يكتب لـ «30 يوم» : مطلوب قوانين بلا لغط

لا أعرفُ لماذا لا تدرسُ الحكومةُ القوانينَ جيدًا قبلَ تقديمِها لمجلسِ النواب؟، لماذا تُصرُّ على إثارةِ البلبلةِ واللغطِ فى المجتمعِ فتزدادُ فجوةُ فقدانِ الثقةِ بينَ الشعبِ والحكومةِ؟ ويشعرُ الناسُ أنَّ الحكومةَ تبحثُ عمَّا يُشقيهم ويُؤرقهم، وفى النهايةِ يعودُ الأمرُ إلى الطريقِ الطبيعى، وهو الحوارُ المجتمعى، ليخرجَ القانونُ بالصورةِ التى تُرضى جميعَ الأطرافِ ويصبحُ متوافقًا مع الدستور.
هناك قانونان أثارا جدلًا خلالَ الأيامِ الماضيةِ وهما قانونُ الإيجاراتِ القديمةِ، وقانونُ إصدارِ الفتاوى، ولا شكَّ أنَّ تعديلَ قانونِ الإيجاراتِ القديمةِ خطوةٌ ضروريةٌ لتحقيقِ العدالةِ الاجتماعيةِ والتوازنِ بينَ حقوقِ الملاكِ والمستأجرينَ. ولكنَّ ما حدثَ هو إثارةُ استياءِ المواطنينَ عقبَ تقديمِ مشروعِ القانونِ لمجلسِ النوابِ مما أدى إلى رفضِهِ وإعادتِهِ للحكومةِ، وكما قلنا كانَ من المفترضِ ومن المهمِّ أنْ يتمَّ ذلكَ من خلالِ حوارٍ مجتمعى شاملٍ يضمنُ مشاركةَ جميعِ الأطرافِ المعنيةِ، للوصولِ إلى تشريعٍ يُحققُ المصلحةَ العامةَ ويُحافظُ على الاستقرارِ الاجتماعى.
وطبيعى أنْ يُثيرَ مشروعُ القانونِ اللغطَ واهتمامَ كثيرينَ بهِ نظرًا لتأثيرِهِ المباشرِ على ملايينِ المواطنينَ من ملاكٍ ومستأجرينَ. حيثُ إنَّ هناكَ تطورًا مهمًّا وهو صدورُ حكمِ المحكمةِ الدستوريةِ العليا فى نوفمبر 2024، الذى قضى بعدمِ دستوريةِ تثبيتِ الأجرةِ السنويةِ للوحداتِ السكنيةِ المُرخصةِ منذُ تطبيقِ القانونِ رقم 136 لعام 1981.
واعتبرتِ المحكمةُ أنَّ تثبيتَ الأجرةِ منذُ الثمانيناتِ يُشكلُ انتهاكًا لحقِّ الملكيةِ وعدوانًا على قيمِ العدلِ، إذ حُرمَ الملاكُ من عوائدَ عادلةٍ تتماشى مع التضخمِ، بينما استفادَ المستأجرونَ وورثتُهم من امتيازاتٍ غيرِ مُحدثةٍ، مما أدى إلى خللٍ فى التوازنِ بينَ الطرفينِ. وقد حددتِ المحكمةُ سريانَ الحكمِ بعدَ انتهاءِ الدورةِ التشريعيةِ الحاليةِ للبرلمانِ، المتوقعةِ منتصفَ 2025، وبالتالى كانَ لابدَّ من وضعِ تشريعٍ يُعيدُ تنظيمَ العلاقةِ الإيجاريةِ.
وبالنسبةِ للقانونِ الثانى، يُعدُّ مشروعُ قانونِ تنظيمِ الفتوى خطوةً مهمةً نحو ضبطِ الخطابِ الدينيِّ ومواجهةِ الفتاوى المتطرفةِ، إلا أنَّ اعتراضاتِ الأزهرِ أثارتْ قلقَ البعضِ ومن المهمِّ التوقفُ عندها لتحقيقِ التوازنِ بينَ ضبطِ الفتوى والحفاظِ على اختصاصاتِ المؤسساتِ الدينيةِ العريقةِ. ومن المهمِّ أنْ يتمَّ الحوارُ بينَ جميعِ الأطرافِ المعنيةِ للوصولِ إلى صيغةٍ توافقيةٍ تُحققُ المصلحةَ العامةَ وتُحافظُ على المرجعيةِ الدينية.
لقد أبدتْ هيئةُ كبارِ العلماءِ بالأزهرِ الشريفِ اعتراضَها على مشروعِ القانونِ، معتبرةً أنَّ وجودَ لجانِ فتوى تابعةٍ للأوقافِ يجعلُ القانونَ يتعارضُ مع نصِّ المادةِ السابعةِ من الدستورِ المصرى، التى تنصُّ على أنَّ الأزهرَ هو المرجعُ الأساسى فى العلومِ الدينيةِ والشؤونِ الإسلامية.
أنا على يقينٍ من تقريبِ وجهاتِ النظرِ بينَ البرلمانِ والأزهرِ الشريفِ، خاصةً أنَّ لجنةَ الشؤونِ الدينيةِ بمجلسِ النوابِ يترأسُها الدكتورُ على جمعة المفتى السابقُ وعضوُ هيئةِ كبارِ العلماءِ، كما أنَّ على رأسِ وزارةِ الأوقافِ عالمًا جليلًا وإمامًا قديرًا، وهو الدكتورُ أسامة الأزهرى، وكلاهما ينتمى إلى مؤسسةِ الأزهرِ، وأعتقدُ أنهما قادرانِ على تحقيقِ المواءمةِ المطلوبةِ ليخرجَ القانونُ بالتوافقِ مع الأزهرِ الشريفِ وإمامِهِ الأكبرِ فضيلةِ الدكتورِ أحمد الطيبِ الحارسِ الأمينِ على ثوابتِ الدينِ الإسلاميِّ الوسطى، وكلُّهم بالطبعِ حريصونَ على خروجِ قانونٍ يحدُّ من عشوائيةِ إصدارِ الفتاوى.
مطلوب قوانينَ توافقيةٌ عادلةٌ تُحققُ الاستقرارَ الاجتماعى والسياسى ولا تُثيرُ البلبلةَ أو تُؤدى للانقسامِ فلدينا معاركُ خارجيةٌ تحتاجُ لوحدةِ وتماسكِ الجبهةِ الداخلية.
اقرأ أيضا
خالد إدريس يكتب لـ «30 يوم» : التوعية الرقمية أمن قومي
Khalededrees2020@gmail.com