د. أمل رمزي تكتب لـ «30 يوم» : بين بندقية لندن ودماء غزة .. أين يقف الضمير؟ .. رصاص بريطاني في صدر الحقيقة

في السياسة، كما في التاريخ، تأتي اللحظات الفارقة من قلب المؤسسات لا من هوامشها ، وما شهدته قاعة البرلمان البريطاني الأسبوع الجاري، ليس مجرد شكوى إجرائية، بل إشارة فارقة إلى تصدّع أخلاقي داخل حزب العمال الحاكم نفسه، ورفض متنامٍ لاستمرار التواطؤ البريطاني في العدوان على غزة.
ففي خطوة غير مسبوقة، تقدم نواب من داخل الحزب الحاكم بشكوى مباشرة ضد قيادة حزبهم، مطالبين بتحقيق فوري في شحنات السلاح التي تدفقت إلى إسرائيل رغم إعلان “التجميد الجزئي”، ومطالبين باستقالة وزير الخارجية ديفيد لامي، الذي اتهموه صراحةً بتضليل البرلمان والشعب البريطاني.
لكن الأهم ليس فقط في الشكوى، بل في توقيتها ودلالاتها: إنها تأتي بعد أكثر من عام ونصف على حرب لم تتوقف على غزة، وبعد آلاف الشحنات الموثقة التي حملت رصاصًا وقذائف وأجزاء لطائرات هجومية، شُحنت باسم “الدفاع”، وأُطلقت لتدمير منازل وأجساد في القطاع المحاصر.
هذا التمرّد الأخلاقي داخل حزب العمال يضع رئيس الوزراء كير ستارمر أمام لحظة فاصلة: هل ينحاز لخط المساومة السياسية أم يصغي إلى أصوات الضمير داخل حزبه؟
فمطالبة النواب بفرض حظر فوري على تصدير السلاح إلى إسرائيل ليست موقفًا تضامنيًا عابرًا، بل مطالبة قانونية – وسياسية – بإعادة تعريف الموقف البريطاني من العدوان.
ومن هنا، فإن على البرلمانات الحرة، في الشرق والغرب، أن تعي أن شرف التمثيل لا يكون فقط في سن القوانين، بل في الوقوف أمام التاريخ حين يُكتب بالدم.
وفي هذا السياق، نقول من القاهرة، أن ما جرى في البرلمان البريطاني اليوم ليس حدثًا بريطانيًا محضًا، بل هو بداية تحوّل دولي في إدراك فداحة الصمت، وإدانة موثقة للسلاح الذي يُرسل باسم “الدفاع” ويُستخدم في القتل.
وغزة ما زالت تقاتل، ليس فقط بالسلاح، بل بالحقيقة، والموقف، والضمير الحيّ الذي بدأ يتكلم من لندن.
كاتبة المقال: النائبة الدكتورة أمل رمزي عضو الهيئة العليا لحزب الوفد.. وعضو مجلس الشيوخ المصري