توبكُتّاب وآراء

سامي صبري يكتب لـ «30 يوم» : المخطط الكبير .. إسرائيل العظمى (5-5)

تناولتُ فى أربعِ مقالاتٍ سابقةٍ المخططَ الاستعمارى لدولِ الشرقِ الأوسطِ منذُ سقوطِ الإمبراطوريةِ العثمانيةِ وانهيارِ ما يُسمى بالخلافةِ الإسلاميةِ، مرورًا بتقسيمةِ اتفاقيةِ سايكس بيكو (١٩١٦) التى فتحتْ شهيةَ الاستعمارِ لالتِهامِ مواردِ منطقةِ الشرقِ الأوسطِ وإفريقيا.

وتطرقتُ إلى وعدِ بلفور (١٩٢٣) ودورِ بريطانيا وأمريكا فى قيامِ إسرائيلَ، ومساعدتِها فى حربِ ١٩٤٨؛ حتى أعلنتْ دولتَها فوقَ جسدِ الأمةِ العربيةِ؛ لتكونَ جدارَ الحمايةِ لمصالحِ الاستعمارِ الحديث.

وشرحتُ بالتفصيلِ أهدافَ ووسائلَ تنفيذِ المخططِ الكبيرِ، وتسخيرَ أمريكا كلَّ إمكانياتِها لخدمةِ الكيانِ الإسرائيليِّ وتحقيقِ أهدافِ المخططِ الاستعمارى فى فلسطينَ المحتلةِ وبعضِ الدولِ العربيةِ بمساندةٍ من الرئيسِ الأمريكى وبعضِ حلفائِهِ فى أوروبا.

وأقولُ اليومَ.. إنَّ «ترامب» وصديقَهُ «نتنياهو» لن يكتفيا بتهجيرِ الفلسطينيينَ من أراضيهم، وإنما سيسعيانِ إلى الانقلاباتِ العسكريةِ وتأليبِ الشعوبِ العربيةِ والخليجيةِ على حكامِها (وهذا جزءٌ أساسى لمواصلةِ الحربِ الصليبيةِ الدينيةِ) ليبقى معظمُ هؤلاءِ الحكامِ جاهزينَ دائمًا لتنفيذِ الإملاءاتِ الأمريكيةِ الصهيونيةِ، وسطَ تخاذلٍ دولى مهينٍ وعجزٍ تامٍّ من المنظماتِ الأممية.

كما يسعيانِ إلى تغييرِ التركيبةِ السكانيةِ والاقتصاديةِ لدولِ المنطقةِ، وجلبِ اليهودِ وغيرِ المسلمينَ من مختلفِ الدولِ إليها؛ لجعلِ نسبةِ العربِ والمسلمينَ خلالَ العقودِ الثلاثةِ المقبلةِ هى الأقلُّ، فى السعوديةِ والإماراتِ وقطرَ والبحرينِ وعُمانَ؛ تمهيدًا لتحقيقِ حلمِ اليهودِ وإعلانِ دولةِ إسرائيلَ العظمى من الخليجِ إلى المحيطِ عامَ ٢٠٤٨ بمناسبةِ مرورِ ١٠٠ عامٍ على زرعِها شوكةً فى ظهرِ العرب.

ولكى يتحققَ ذلكَ بسهولةٍ؛ تُساندُ أمريكا إسرائيلَ فى سياستِها الاستيطانيةِ، فى الوقتِ الذى تعملُ فيهِ واشنطن على بناءِ المزيدِ من القواعدِ العسكريةِ والدخولِ فى تحالفاتٍ وشراكاتٍ اقتصاديةٍ كبيرةٍ مع الدولِ العربيةِ والخليجيةِ حتى تتمكنَ من السيطرةِ تمامًا على ثرواتِ العربِ وممراتِهم المائيةِ وجزرِهم ومضايقِهم وحكامِهم.

كلُّ ذلكَ يحدثُ والعربُ يكتفون بالشجبِ والاستنكارِ والإدانةِ والتنديدِ، ولم ينجحوا فى إعدادِ جيشٍ عسكرى عربى موحدٍ، ولا فى استغلالِ أقوى سلاحٍ لديهم وهو النفطُ للضغطِ على أمريكا، بل لم ينجحوا فى جعلِ رفضِهم تهجيرَ الفلسطينيينَ واقعًا عمليًا. وليسَ من المعقولِ أبدًا أنْ تُقدمَ دولتانِ عربيتانِ عروضًا ماليةً مُغريةً جدًّا لجنوبِ إفريقيا مقابلَ سحبِ دعوى من محكمةِ العدلِ ضدَّ إسرائيلَ ونتنياهو ورفاقِه؟!

فإنْ لم يتحدوا ويكونوا أكثرَ جرأةً الآنَ، والأراضى العربيةُ فى فلسطينَ ولبنانَ وسوريا تُغتصبُ يوميًا، وتتمُّ إبادةُ ما عليها من أطفالٍ ونساءٍ وشبابٍ وشيوخٍ ومواردَ وبنى تحتيةٍ؟ متى إذنْ سيتحركونَ ويجبرونَ المستعمرينَ الجددَ على الرجوعِ للصوابِ وإعادةِ الحقوقِ المسلوبةِ إلى أصحابِها؟

ويُخطئُ من يقولُ إنَّ مصرَ وحدَها قادرةٌ بجيشِها الكبيرِ والعظيمِ على الدفاعِ عن قضايا الأمةِ، فالظروفُ والمواءماتُ السياسيةُ والعسكريةُ متشابكةٌ ومعقدةٌ دوليًا وإقليميًا، وسبقَ أنْ خاضتْ مصرُ من أجلِ الكرامةِ العربيةِ حروبًا عدةً ودفعتْ وشعبُها الثمنَ مضاعفًا، ولن تستطيعَ دفعَ فاتورةٍ جديدةٍ، إلا من أجلِ حمايةِ أمنِها القومى، وكفى ما سددتْهُ من فواتيرَ تفوقُ قدراتِها الاقتصادية.

ما يجرى من مؤامرةٍ لا يستلزمُ بالضرورةِ حربًا عسكريةً تقليديةً، وإنما حربًا مضادةً اقتصاديًّا وسياسيًّا ودبلوماسيًّا وثقافيًّا، نكونُ فيها جميعًا، حكامًا وشعوبًا على قلبِ رجلٍ واحدٍ، فمن دونِ ذلكَ ستصبحُ كلُّ الأراضى العربيةِ مُستباحةً و(ريفيرا) جديدةً فى عيونِ ترامبَ ونتنياهو، ومن يأتى بعدَهُما من حاقدينَ على الأمةِ العربيةِ.

إنَّ مواجهةَ هذا المخططِ الاستعمارى بشكلِهِ الحديثِ يتطلبُ موقفًا عربيًّا موحدًا يخلو من المصالحِ الأحاديةِ، فيدٌ واحدةٌ لا تُصفقُ، ولا سيما أننا نواجهُ أكبرَ قوةٍ عالميةٍ يترأسُها حاليًا بلطجى مجنونٌ يتعاملُ مع العربِ والعالمِ بلغةِ العمولةِ والسمسرةِ والبزنسِ الأسودِ.

 اقرأ أيضا

سامي صبري يكتب لـ «30 يوم» : المخطط الكبير .. اغتيال القادة والعلماء (4)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى