
كتب- أحمد أبو زيد
قال ابن كثير في تفسيره: “إنهم فتية”، وهم الشباب، وهم أقبلُ للحقِّ وأهدى للسبيل من الشيوخ الذين قد عتَوْا وانغمَسوا في دين الباطل؛ ولهذا كان أكثرُ المستجيبين لله – تعالى- ولرسوله -صلّ الله عليه وسلم- شبابًا، أما المشايخ مِن قريش فعامَّتهم بَقُوا على دينهم ولم يُسلِم منهم إلّا القليل.
والله -عز وجل – إنما وصف أهل الكهف بالفِتْية في سن الشباب التي هي سن النزوة والانطلاق والتحرر والقوة، ليَكونوا أُسوةً حسَنة للشباب على الدوام في المعاني الراقية والمثل العالية في خدمة الدين والعمل والتضحية من أجله، وإن خالفَهم مَن خالفهم؛ قال الله -عز وجل-: (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ) [الكهف: 10]، فتية شباب ترَكوا القصور والبيوت المهيَّأة وأوَوْا إلى الكهف الذي لم يتعوَّدوا أن يعيشوا فيه، ومع ذلك رَجَوْا في هذا الكهف الرحمةَ والرشد، لأن العادات والمساكنَ المرضيَّة، والمطعم الهنيء، والملابس النظيفة، ومكان النوم المهيَّأ – كل ذلك لا يسهل على النفوس تركه والتخلي عنه، ولكنها زينة الدنيا الفانية التي لا تأسر العبدَ المؤمن، فتَحمَّلوا أن يكونوا في كهف، وقد كانوا في قصورٍ وبيوت مهيَّأة، وكانوا في مدينة، وربما تحتاج مرة أن تعيش في بيئة غير التي نشأتَ فيها، وفي مسكن غير الذي تعودتَ عليه، وفي فِراش غير الذي تنام عليه؛ لِتَعلَم مدى الفرق بين أن يَعيش الإنسانُ في بيت أو قصر وبين أن يَبيت في كهف، ومع ذلك لم يعبئوا بذلك، ولم يكن ذلك همهم؛ لأنهم ملتفتون إلى ما هو أعظم، ما الذي يُهوِّن على الإنسان أن ينال طعامًا دون طعام، ولباسًا دون لباس؟! كما قال الإمام أحمد: “إنما هو طعامٌ دون طعام، ولباسٌ دون لباس، وصبرُ أيامٍ معدودة”.
وعلى نهج هؤلاء الفتية المضّحون سار الصحابة الأكرمون والسلف الصالحون، فكم تركوا من لذات ومجون،( فأسهروا ليلهم حين نامت العيون، وأظمئوا نهارهم حين شبعت البطون، وقارعوا عدوهم حين هرب الخائفون)، فكان لهم الخلود بالذكر الحسن، كما كان لفتية الكهف الخلود بالذكر في أعظم كتب الله – عز وجل.