توبكُتّاب وآراء

إبراهيم الدراوي يكتب لـ «30 يوم» : مفاوضات اللحظة الأخيرة تقترب من اتفاق وتحرير عيدان ألكسندر

في توقيت بالغ الحساسية، تتقاطع مسارات سياسية وميدانية ودبلوماسية، لترسم ملامح تحول كبير في مشهد العدوان العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة، وسط مؤشرات قوية على قرب التوصل إلى اتفاق شامل ينهي القتال ويعيد ترتيب الأوراق الإقليمية والدولية.

وبينما تواصل القوات الإسرائيلية عملياتها البرية المكثفة ضمن استراتيجية تطويق تدريجية للقطاع، تبرز القاهرة كمركز محوري في جهود التهدئة، في حين تنشغل العواصم الكبرى ـ من واشنطن إلى طهران- في مفاوضات متشابكة تؤثر وتُتأثر بمآلات النزاع في غزة.

خطة مصرية متكاملة

وكشفت معلومات خاصة تعمل «فيتو» على توثيقها أن العاصمة المصرية باتت على بعد خطوات من إعلان اتفاق نهائي لوقف الحرب نهاية هذا الشهر، مستندة إلى خطة متكاملة تُطرح منذ أسابيع، حظيت بموافقة إسرائيلية سابقة، ووافقت حماس عليها مبدئيًا مؤخرًا.

تشير التفاصيل إلى أن وفد الحركة لا يزال في القاهرة، لمواصلة النقاشات بشأن التفاصيل التنفيذية للاتفاق. وتتضمن الخطة المصرية وقفًا شاملًا للعمليات العسكرية وتهدئة طويلة الأمد، إلى جانب وقف فوري لعمليات التهجير، والانخراط في عملية إعادة إعمار شاملة، بضمانات دولية لإدخال المساعدات الإنسانية دون شروط سياسية.

كما تشمل الخطة حل ملف الأسرى، الذي يُعد من أعقد ملفات الصراع، إضافة إلى تسليم إدارة غزة لحكومة تكنوقراط وطنية، تُشكّل خارج الأطر الحزبية، تحت إشراف السلطة الفلسطينية وبمراقبة دولية.

تسجيل عيدان ألكسندر

وسط هذه الترتيبات، نشرت حماس تسجيلًا جديدًا للجندي المختطف، الحامل للجنسية الأمريكية، عيدان ألكسندر، في توقيت متعمَّد عشية عيد الفصح اليهودي، يحمل دلالات سياسية ورمزية. ويُعد الفيديو ثان تسجيل منذ وقوع الجندي في الأسر، وقد جاء في ظل ضغوط تمارسها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للإفراج عنه في إطار صفقة تبادل محدودة تمهد لاتفاق أشمل.

ظهر عيدان إسكندر في التسجيل السابق بعد 421 يومًا من أسره، متأثرًا وهو يناشد إنهاء الكابوس. واليوم، تتحرك حماس لتوظيف ورقة الأسرى ضمن معادلة تتجاوز البُعد الإنساني، لتصبح جزءًا من التفاوض حول وقف الحرب، ورفع الحصار، وضمانات الإعمار، وهو ما يعزز موقع الحركة في أي صفقة قادمة، خاصة في ظل التشابك الأمريكي- الإسرائيلي- الإيراني في الساحة الأوسع.

إسرائيل تتوسع بريا

على الأرض، وسّعت القوات الإسرائيلية من عملياتها البرية، لتشمل منطقة درج تُفّاح شرق مدينة غزة، ضمن ما وصفته بتعميق السيطرة الأمنية. وبحسب إذاعة الجيش الإسرائيلي، فإن لواء المدرعات 401 باشر عمليات تصفية لعناصر مسلحة، واستهداف بنى تحتية ومسارات أنفاق، في وقت تتزايد فيه الدعوات الدولية لوقف الحرب.

الخبير العسكري الإسرائيلي دارون كادوش لفت إلى أن الجيش يعمل عبر عشرة محاور منتشرة في أطراف القطاع، أبرزها: الشجاعية، بيت حانون، نتساريم، خربة خزاعة، محور موراج، وتل السلطان، مشيرًا إلى أن العمليات تهدف إلى تطويق شامل يعيد رسم خارطة السيطرة.

ويؤكد أن الجيش يتبع استراتيجية «الأكل التدريجي» للمحيط، بحيث يتم التقدم نحو الداخل ببطء، ما يُفرغ المقاومة من عمقها الجغرافي، ويهيئ الأرض سياسيًا لتسوية محتملة.

رسائل عبر مسقط

بالتوازي، وعلى مسافة جغرافية بعيدة من غزة، تواصل الولايات المتحدة وإيران جولة جديدة من المحادثات النووية في سلطنة عُمان. ورغم الطابع غير المباشر للمحادثات، كشفت مصادر إيرانية عن لقاء وجيز جمع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بالمبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، بحضور الوزير العُماني بدر البوسعيدي.

تصف طهران اللقاء بأنه إيجابي وبنّاء، فيما أكدت الخارجية الأمريكية تمسكها بمنع إيران من الوصول إلى سلاح نووي، وفي المقابل، تعتبر طهران أن الكرة في ملعب واشنطن، في حين تسعى مسقط لتوظيف حيادها الدبلوماسي لصناعة توافق إقليمي يُجنّب المنطقة مزيدًا من التصعيد.

اللافت أن هذه المحادثات تأتي بالتزامن مع تحولات غزة، إذ يدرك الطرفان أن أي تسوية فلسطينية ـ إسرائيلية ستحمل انعكاسات مباشرة على وضعية إيران الإقليمية، وعلى أدواتها في المنطقة، وعلى رأسها حماس والجهاد الإسلامي ومن هنا، تبدو سلطنة عُمان كحلقة وصل غير مرئية بين مسارات التفاوض المتوازية، من غزة إلى فيينا، مرورًا بمسقط.

من يدير غزة؟

أحد أكثر البنود حساسية في الخطة المصرية يتعلق بمرحلة ما بعد وقف إطلاق النار، وتحديدًا بشأن من سيتولى إدارة قطاع غزة. موافقة حماس على حكومة تكنوقراط غير حزبية تمثل تحولًا مهمًا في خطاب الحركة، لكنه مرهون بضمانات حقيقية ألا تكون هذه الخطوة مقدمة لتفكيك نفوذها بالكامل، أو محاصرتها سياسيًا.

على الجانب الإسرائيلي، يُنظر إلى هذا التصور كمدخل لاستعادة التعاون الأمني مع السلطة الفلسطينية، دون العودة إلى الصيغة التي سبقت 2007. أما دوليًا، فإن مقترح إشراف دولي يلقى قبولًا واسعًا، بشرط ألا يُستخدم كغطاء لفرض وصاية كاملة على القطاع.

رسم ملامح الإقليم

يجري اليوم ليس مجرد تفاوض على وقف حرب، بل هو رسم ملامح عقد سياسي جديد في غزة، بمفاعيل تمتد من القاهرة إلى مسقط، ومن الميدان إلى غرف المخابرات. حماس تسعى لتثبيت مكاسبها دون أن تُستنزف، وإسرائيل تريد إنهاء الحرب من موقع القوة دون الانزلاق إلى مستنقع رفح، أما واشنطن وطهران فتراقبان المشهد من زاويتين مختلفتين، لكنهما متداخلتان في جوهرهما.

 صفقة الأمل المشروط في غزة

وفيما تتصاعد احتمالات التوصل إلى اتفاق، يبقى التحدي الحقيقي في اليوم التالي للاتفاق: كيف سيُترجم على الأرض؟ ومن سيملأ الفراغ؟ وهل سينتهي الصراع فعلًا، أم سيعود إلى الاشتعال في نسخة مختلفة؟ الإجابات قد تبدأ من القاهرة، لكنها لن تنتهي قبل أن يُعاد رسم التوازنات على امتداد الإقليم.

 اقرأ أيضا

إبراهيم الدراوي يكتب لـ «30 يوم» : إسرائيل تواجه تمرد السماء .. احتجاج الطيارين يهز نتنياهو ويُربك الجيش

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى