كُتّاب وآراء

سامي صبري يكتب لـ «30 يوم» : المخطط الكبير .. بداية بلا نهاية

يعتقد كثيرون أن ما يعيشه الشرق الأوسط الآن من حروب وصراعات سببه أمريكا وإسرائيل وبعض الدول الأوروبية، وهذا الاعتقاد ليس كله صحيحا ولا كله خطأ، فما تعانيه المنطقة امتداد لإرث تاريخى، ويبدو أنها ستستمر حتى تقوم الساعة.

صراع محتدم بين أقدم الحضارات، ومخطط كبير قديم للسيطرة على بقعة شاء قدرها أن تكون منذ ان خلق الله الكون مطمعا للغزاة وتجارالحروب وبلطجية العالم (الهكسوس والمغول والبيزنطيين والصليبيين وغيرهم)؛ لموقعها الجغرافى المتميز، وما تكتنز أرضها وبحارها ورمالها من موارد وكنوز.

هذا الصراع الموروث بين أقدم الإمبراطوريات وأقواها نفوذا، كان من الطبيعى أن ينتقل تحت وطأة الحروب الدينية والعقائدية وتفكك وانهيارالدولة العثمانية (أكبر واقوى دولة إسلامية سيطرت على المنطقة قبل عدة قرون) إلى دول الاستعمار الحديث وهي (بريطانيا وفرنسا وألمانيا وامريكا وحلفاؤهم) التى استغلت الموقف وسارعت بوضع يدها على دول الشرق الأوسط وإفريقيا رافعة شعار ( الحماية ) أو بمعنى آخر ( البلطجة ) التى يمارسها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الآن بكل اطمئنان وأريحية.

ولم تكتفِ تلك الدول بتقسيمة اتقاقية سايكس بيكو المهينة عام 1916، وإنما زرعت شوكة فى ظهرالعرب، تمكنها من السيطرة على حكام المنطقة قبل شعوبها، وكانت هذه الشوكة كيانا يهوديا صنعته بريطانيا ( وعد بلفور عام 1917) ورعته واحتضنته أمريكا، وصار فيما بعد (عام 1948) دولة إسرائيل، والفزاعة التى تخيف بها العرب وتجعل حكامهم عشاق الكراسى (بقرة حلوب).

ولا فرق بين الماضى التليد والحاضر الحديث إلا فى طريقة إدارة الصراع ووسائل الحرب، فتحولت السيوف والسهام إلى بنادق وقنابل وطائرات وصواريخ باليستية ورؤس نووية، وتطورت السفن والمراكب الشراعية إلى زوارق سريعة وحاملات طائرات عملاقة، وتحولت لغة الحوار والتفاهم والنقاش إلى لغة الدبلوماسية الخادعة، وإسقاط الشعوب بالاحتلال الناعم والمعارك الاستخبارية وتغيير الثقافات وغيرها من أسلحة غير تقليدية.

سأعود إلى بدايات التاريخ الحديث، والثورة الفرنسية ( 1789) التى غيرت وجه العالم وشكلت خارطته الجديدة سياسيا وعسكريا واقتصاديا ودينيا وإعلاميا، فبعد أن كانت الهيمنة للسلطة الدينية والميثولوجيا والكهنوتية، صار الصوت الأول للسلطة العسكرية، التى تفرض نفسها بالقوة والجيش وسطوة المال والدعاية الكاذبة والإعلام المضلل، قبل أن تخوض لعبة «مصلحتى أولًا» مع الأصدقاء قبل الأعداء.

قرون مضت والقواعد الأساسية للعب فى خاصرة الشرق الأوسط حاضرة، فكل وسائل الاستغلال والابتزاز صارت تمارس بطرق وأساليب أكثر وحشية ودموية، لا مراعاة فيها لأى قيم إنسانية ولا مواثيق ولا أعراف ولا اتقاقيات دولية.

هذا العالم الجديد درسه البلطجى ترامب مبكرا، ومنذ ولايته الأولى فى البيت الأبيض وهو يسيربمنطق القوى والضعيف، أو كما قال «لا يهمنى أن يموت المصارع، بقدر أن يكسب المصارع الذى راهنت عليه» ولا يتردد فى أن يتفاخر بأنه رئيس اقوى دولة فى العالم، ويدير أكبر مؤسسات القمار والعقار، ويبلطج على كل العالم.

هكذا يتباهى ترامب بالنظام العالمى الجديد، ولا يعترف بأى دولة ماعدا إسرائيل ويعتبر العالم شرقه وغربه مجرد كيانات بشرية تحكمها المصالح، وينبغى ان تخضع له وتدفع له الثمن حتى وإن كانت لا تحتاج لهذه الحماية.

فالرجل الموتور، جعل نفسه حامى اليهودية، ويعترف بأنه لولا النظام العالمى الجديد الذى أسقط سلطة الكنيسة ووضع قانونا لحماية السامية ودعم فكرة الصهيونية، لما بقى يهودى فوق الأرض ولا فى أى بقعة من العالم.

وللحديث بقية..

Samysabry19@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى