الإعلامي الإماراتي محمد يوسف يكتب لـ «30 يوم» : ماعادت القمة مستقرة

لا نبخس الولايات المتحدة الأمريكية حقها، ونعترف بأنها تجلس على قمة العالم، ولا ينافسها أحد على هذه القمة، بل لا يقترب أحد منها، هناك مسافة شاسعة تفصل بينها وبين الدول الكبرى الأخرى، من حيث القوة العسكرية أو الاقتصادية، أو من حيث دورها السياسي وتحالفاتها الدولية، هي القوة الضاربة، وهي الدولة الوحيدة التي تفرض قراراتها على العالم، وهي المتحكمة بعملتها ونظامها المالي في إدارة الأموال والثروات، وهي المتفردة بسلاح إيقاع العقوبات على من تشاء، سواء كانت دولاً أو أفراداً، وهي مالكة الإمكانات لمراقبة الفضاء والأجواء والبحار والحدود دون سواها.
كل ما يرتبط بالمكانة والأهمية للولايات المتحدة لم ينزل عليها في ليلة وضحاها، ولم يكن نتاج حلم أو فكرة خطرت على بال أحد زعمائها، ولم يحدث لأنها اتبعت الطرق التي سارت عليها الدول التي استعمرت العالم بقوة السلاح والقهر والاستعباد وسرقة الثروات، لم تجيش جيوشها وتحتل البلدان لتعيث فيها فساداً، ولم يجرؤ رئيس من رؤسائها في يوم من الأيام على الادعاء بأنه وشعبه أنقى دماً من بقية خلق الله، بل على العكس، حملوا شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وسوقوها في بقاع الأرض، وبزغ نجمهم عالمياً عندما رفضوا الفكر النازي والفاشي وقادوا أوروبا للتخلص منهما، فرد الأوروبيون الجميل، وتراجعوا إلى الخلف تاركين لهم قيادة العالم، متخلين عن أسلوبهم الاستعماري التقليدي حتى انكمشوا داخل حدودهم!
ثمانون عاماً مرت على نهاية الحرب العالمية الثانية، وعلى تربع الولايات المتحدة فوق عرش العالم، وطوال هذه الفترة ظهر منافسون على الساحة الدولية، ودارت حروب عسكرية، وتصادمت المصالح، ووقعت هزات اقتصادية، ولم يفقد العالم ثقته في هذه الدولة العظيمة التي تعود بعد كل كبوة وهي أكثر حكمة في معالجة الأمور، ما عدا في هذه الفترة، حيث تدار الأمور بأسلوب يخالف القواعد التي تأسست عليها الولايات المتحدة، فاختلت المعايير، وارتجت الأرض بمن عليها، وثارت «اللاءات» في وجهها، من الحليف قبل العدو، وما عادت القمة مستقرة!