توبكُتّاب وآراء

داليا البيلي تكتب لـ «30 يوم» : الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين .. الاسم الإسلامي والمشروع الإخواني

تُعد العلاقة بين الدين والسياسة من أكثر القضايا إشكالًا في المجتمعات الإسلامية المعاصرة، خاصة عندما تتداخل الأدوار بين المؤسسات الدينية والتنظيمات الأيديولوجية وفي هذا السياق، يبرز “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” كأحد أكثر الكيانات إثارة للجدل، بسبب ما يُتهم به من ارتباط عضوي بجماعة الإخوان المسلمين المصنفة إرهابية في عدد من الدول العربية، وعلى رأسها مصر والسعودية والإمارات.

التأسيس والهوية التنظيمية

تأسس الاتحاد عام 2004 في العاصمة القطرية الدوحة على يد الشيخ يوسف القرضاوي، الذي كان يُعد من أبرز المرجعيات الفكرية لجماعة الإخوان المسلمين وقد سعى الاتحاد منذ نشأته إلى تقديم نفسه كهيئة علمية جامعة لعلماء الأمة الإسلامية، لكن التكوين الهيكلي، والانتماءات الفكرية لأعضائه، وكذلك خطابهم العلني، كشفت عن تداخل واضح بين مهامه الدعوية وأهداف جماعة الإخوان السياسية

خطاب ديني مؤدلج يخدم أجندات التنظيم

يُعرف عن الاتحاد تبنيه لخطاب ديني يحمل سمات الأيديولوجيا الإخوانية، من حيث الترويج لمفاهيم مثل “التمكين” و”الحاكمية” و”الشرعية”، والتي كثيرًا ما جرى توظيفها في التحريض السياسي المباشر خلال ما سُمي بثورات “الربيع العربي”. وقد ساهمت فتاوى قادة الاتحاد في إذكاء الانقسام المجتمعي والفتنة الطائفية، خصوصًا في مصر وسوريا وليبيا، حيث تم توظيف الدين كأداة لتبرير الخروج على الدولة الوطنية وشرعنة الفوضى
استغلال قضية غزة لتلميع المشروع الإخواني

ومن أبرز صور التوظيف السياسي للقضايا الإسلامية من قِبَل الاتحاد، استغلاله لقضية غزة لتسويق مشروع الإخوان تحت غطاء “المقاومة”. ففي كل عدوان صهيوني على القطاع، يتصدر قادة الاتحاد المشهد الإعلامي لإدانة الأنظمة العربية التي لا تتماشى مع خط الإخوان، متغاضين عن مسؤوليات حماس –الذراع الفلسطينية للتنظيم– في تعميق الانقسام الفلسطيني وفشل مشاريع المصالحة.

لقد تحولت غزة في خطاب الاتحاد إلى أداة أيديولوجية لا قضية وطنية، حيث تُستخدم لتأجيج المشاعر ضد بعض الدول العربية، وشرعنة العنف تحت غطاء “الجهاد”، بينما يتم تغييب المعاناة الحقيقية لأهالي القطاع نتيجة سياسات حماس الداخلية ومواقفها الإقليمية. وبهذا، يصبح الدين غطاءً لأجندات سياسية، تُستغل فيها القضية الفلسطينية لمراكمة النفوذ لا لخدمة الحق الفلسطيني.
وقد ورد اسم هذا الكيان في قوائم الإرهاب الصادرة عن الرباعي العربي (مصر، السعودية، الإمارات، البحرين) عام 2017، متهمًا إياه بترويج التطرف وتغذية العنف تحت عباءة دينية. كما ترتبط أنشطة الاتحاد بشبكة إعلامية تمكّنه من بث رسائله، وعلى رأسها قناة الجزيرة، التي توفر منبرًا دائمًا لأعضائه
وظيفة مزدوجة تُهدد التماسك المجتمعي

تكمن خطورة هذا الكيان في ازدواجية وظيفته، فهو يُقدّم نفسه كمرجعية علمية إسلامية، بينما يمارس أدوارًا سياسية حزبية واضحة تخدم مشروعًا أيديولوجيًا عابرًا للحدود. هذه الازدواجية تُقوّض من مصداقية العمل الديني، وتُحدث شرخًا في الوعي الجمعي الإسلامي، إذ يتحول رجل الدين من داعية وحدة واستقرار إلى محرض باسم الدين لصالح تيار سياسي.

خاتمة .. بين الاسم والواقع

في ضوء المعطيات السابقة، يصبح من المشروع التساؤل: هل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين هو مؤسسة دينية مستقلة فعلًا، أم مجرد واجهة فكرية وسياسية لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية؟
إن الإجابة، في ظل الأدلة المتراكمة والارتباطات الفكرية والتنظيمية والتمويلية، تشير بوضوح إلى أن الاسم لا يعكس الحقيقة، وأن هذا الاتحاد لا يخدم الإسلام كدين، بل يخدم الإخوان كمشروع سياسي.

اقرأ أيضا للدكتورة داليا البيلي 

داليا البيلي تكتب لـ «30 يوم» : كمصرية في الخارج .. نبضي مع وطني وصوتي مع الرئيس السيسي في رفض التهجير ونصرة فلسطين

دكتورة داليا البيلي تكتب لـ «30 يوم» : الوطنية لا تجتمع مع استغلال المناصب لتحقيق المصالح الشخصية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى