توبكُتّاب وآراء

دكتورة داليا البيلي تكتب لـ «30 يوم» : تأبين الأزهر للحويني .. قراءة نقدية في سياق المسؤولية الفكرية والمؤسسية

أثار تأبين الأزهر الشريف للشيخ أبو إسحاق الحويني جدلًا واسعًا بين الأوساط الفكرية والثقافية في مصر وخارجها، حيث انقسمت الآراء بين من رأى في ذلك تكريمًا طبيعيًا لشخصية دينية معروفة، وبين من اعتبره انحرافًا عن الدور التنويري للأزهر، خاصة في ظل المواقف الجدلية التي ارتبطت بالحويني طوال مسيرته الدعوية. هذه المقالة تقدم قراءة نقدية لهذا التأبين في ضوء مسؤولية الأزهر الفكرية والمؤسسية، وتأثيره على المشهد الديني والمجتمعي في مصر.

1. الحويني والخطاب السلفي المتشدد

لم يكن الحويني مجرد داعية إسلامي تقليدي، بل كان من أبرز رموز التيار السلفي الوهابي في مصر، وهو تيار اشتهر بتشدده الفكري ورفضه لكثير من مظاهر الاجتهاد الديني الذي يتماشى مع تطورات العصر. فقد دافع الحويني عن فقه الغزو والسبي، وقدم أطروحات تتناقض مع مبادئ التجديد الديني التي دعا إليها الأزهر نفسه في فترات متعددة.
كما أن خطابه كان في كثير من الأحيان إقصائيًا، يحض على رفض الآخر المختلف دينيًا ومذهبيًا، الأمر الذي جعله في موضع انتقاد واسع من قبل المفكرين المستنيرين داخل وخارج المؤسسة الأزهرية.

2. الأزهر بين الاعتدال والانحياز للسلفية

لطالما أكد الأزهر على تبنيه المنهج الوسطي المعتدل الذي يوازن بين الثوابت الدينية ومتطلبات العصر، ولكن تأبينه للحويني يثير تساؤلات حول مدى التزامه بهذه الوسطية. فكيف لمؤسسة بحجم الأزهر، التي يفترض أن تكون حصنًا ضد التطرف والتشدد، أن تحتفي برمز دافع عن أفكار تتناقض مع قيم التسامح والتعايش؟
إن هذه الخطوة قد تُفسَّر بأنها محاولة لاسترضاء التيار السلفي داخل الأزهر وخارجه، أو أنها تعكس حالة من التردد المؤسسي في مواجهة الخطابات الدينية المتشددة.
وهذا أمر يبعث على القلق، خصوصًا أن مصر خاضت مواجهات فكرية وأمنية ضد التطرف الديني، وكان الأزهر طرفًا أساسيًا في تلك المواجهات.

3. التأبين بين العرف المؤسسي والمسؤولية الأخلاقية

قد يقول البعض إن تأبين الشخصيات الدينية هو مجرد إجراء بروتوكولي لا يحمل بالضرورة موافقة على أفكار المتوفى، لكن في الحالة الأزهرية، لا يمكن فصل الرمزية عن التأثير.
فحينما يؤبّن الأزهر شخصية مثل الحويني، فإنه يمنحها شرعية مؤسسية، مما قد يُفهم على أنه موافقة ضمنية على آرائه أو على الأقل تجاهلًا لخطورتها.

ومن هنا، يجب أن يُطرح السؤال: ألم يكن من الأولى أن يكرّس الأزهر جهوده لتأبين العلماء والمفكرين الذين أسهموا في تجديد الفكر الإسلامي ونشر قيم الاعتدال، بدلًا من شخصيات ساهمت في نشر أفكار تثير الجدل والانقسام؟

4. تأثير التأبين على الخطاب الديني والمجتمعي

لا يمكن إنكار أن الأزهر مؤسسة لها ثقلها الديني والثقافي في مصر والعالم الإسلامي، وبالتالي، فإن كل خطوة يتخذها يكون لها تأثير على المناخ العام.
إن تأبين الحويني قد يُفهم على أنه تشجيع للخطاب السلفي، في وقت تحتاج فيه المجتمعات الإسلامية إلى مزيد من الاجتهاد والتجديد لمواجهة تحديات العصر.

من ناحية أخرى، فإن هذه الخطوة قد تُضعف من مصداقية الأزهر في مواجهة التطرف، حيث سيجد بعض المتشددين في تأبين الحويني مبررًا للاستمرار في ترويج خطابه. وهذا أمر خطير، خاصة في ظل التحديات الفكرية التي تواجهها المجتمعات الإسلامية، من صعود خطاب الكراهية إلى قضايا حقوق الإنسان والتعايش.

ختاما: الأزهر أمام مسؤولية إعادة تقييم مواقفه

إن تأبين الأزهر للحويني يجب أن يكون محل مراجعة ونقد، ليس فقط فيما يتعلق بهذه الواقعة بعينها، بل في إطار الدور العام الذي يجب أن يلعبه الأزهر في مكافحة الفكر المتشدد، ودعم الخطابات الدينية التي تدعو إلى التسامح والتعايش السلمي والانفتاح.
إن المؤسسة الأزهرية أمام اختبار حقيقي: هل ستستمر في احتضان رموز التشدد بدعوى الحفاظ على وحدة الصف الإسلامي؟
أم أنها ستتحمل مسؤوليتها التاريخية في تجديد الفكر الديني بما يتناسب مع احتياجات العصر؟

لقد آن الأوان للأزهر أن يختار بوضوح بين التجديد والانغلاق، فإما أن يكون منارة للإسلام المستنير، أو أن يظل أسيرًا لرموز لا تمثل سوى مرحلة من الجمود الفكري، لا يمكن أن تبني مستقبلًا دينيًا يليق بالأمة الإسلامية.

موضوعات متعلقة 

دكتورة داليا البيلي تكتب لـ «30 يوم» : سلامٌ سلاحٌ لشهداء مصر الأبرار، وعلى العهد لن ننساكم

دكتورة داليا البيلي تكتب لـ «30 يوم» : الإرهاب لا يصنع مجدًا .. والشهداء لا يُنسَون .. إعلان مرفوض والاعتذار واجب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى