صبري حافظ يكتب لـ «30 يوم» : ابتزاز واستعمار اقتصادي

لم تكن إهانة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لنظيره الأوكرانى زيلينسكى فى «البيت الأبيض» موجهة للرئيس الأوكرانى فقط وإنما لكل أوروبا 27 دولة وحلف الناتو 31 من دول أوروبية وخارجها – ككندا وأستراليا اللتين تتمتعان بوضع شريك فى «الناتو»-، فى دلالة واضحة على أن أوروبا لا تستطيع وحدها بما تملكه من «عدد» كأعضاء وإمكانيات «أسلحة» أن تستغنى عن الدور الأمريكى وهو ما يعلمه ترامب جيدا ولا يستحى فى كل مناسبة من الإشارة إليه فى إذلال كان يتجنب ذكره رؤساء أمريكيون سابقون احتراما للصداقة الأوروبية والتحالف والتوحد فى المصير والثقافة والهدف.
إذ ذكّر ترامب ضيفه المُهان زيلينسكى، من دون أسلحة أمريكا لن يصمد الجيش الأوكرانى أسبوعين، ولذا جاءت ردود فعل الأوربيين بعد جلسة الإهانة والاستهزاء بأوروبا وأوكرانيا داعمة لزيلينسكى باعتبار أوكرانيا خط الدفاع الأول عن أوروبا فى مواجهة الأسد الروسى والقيصر بوتين.
تعلم أوروبا أنها تعانى محاور رئيسية تثقل كاهلها خاصة أنظمة الدفاع الجوى المتقدمة مثل باتريوت التى تنتجها أمريكا بكميات كافية، والصواريخ بعيدة المدى تعانى أوروبا نقصها وترفض بعض الدول مثل ألمانيا توفير بدائل كصواريخ توروس.
ويمثل الدعم الأمريكى البالغ 67 مليار دولار عبئًا هائلًا على الاقتصاديات الأوروبية التى تعانى تباطؤا اقتصاديا وتضخما وضغوطا اجتماعية ما يمثل تحديا ماليا مؤرقًا فى ظل إسهامات أوروبا بـ 62 مليار يورو.
وتعتمد أوكرانيا بشكل كبير على منظومة ستارلينك الأمريكية فى الاتصالات الفضائية، ويوفّرها الملياردير المتحالف مع ترامب، إيلون ماسك، كلها عناصر فاعلة جعلت أوروبا ضعيفة فى مواجهة ابتزاز الرئيس الأمريكى.
ولذا لم يكن غريبا أن يعلن صراحة ترامب الحاجة للمعادن الأوكرانية النفيسة تحت ستار سداد ما دفعته أمريكا طوال سنوات الحرب، ويلاحقه نائبه بتصريحات مقززة هدفها استعمار اقتصادى فاضح، وأن الضمانة الأمنية لأوكرانيا منح أمريكا ميزة اقتصادية فى مستقبل أوكرانيا، حيث إن ذلك- من وجهة نظر فانس- أكثر فاعلية من نشر قوات أجنبية لحمايتها!
ولا يخفى على الكثيرين أن ترامب خطط بذكاء لسيناريو البيت الأبيض وطرد زيلينسكى، بعد أن شاهد قسمات وجه الرئيس الرافضة لـ«السلام الترامبي» ولباسه غير الرسمى الذى اعتبره ترامب إهانة لشخصه وللشعب الأمريكى وللبيت الأبيض الموقر فقام بطرده وهو يعلم أن زيلينسكى سيعاود الكرة راسما له طريق العودة فى حال استعادة زيلينسكى عقله من جديد وسار مع رؤية ترامب.
وفى الاتجاه كلف الرئيس الأمريكى إدارته بالضغط بطرق مختلفة على زيلينسكى ودائرته القريبة وهو ما اعترفت به الإدارة بأنهم قضوا إجازة نهاية الأسبوع لإنقاذ صفقة المعادن!
وزيلينسكى «يترنح» بين ضغط حاشية ترامب وقناعة الأوربيين بأن الصفقة غير ضامنة لتحقيق الأمن لأوكرانيا وأوروبا .
زيلينسكى يرى أن أوراق اللعبة فى يد ترامب ويحاول عدم اتساع الفجوة معه ويلوح بموافقته على صفقة المعادن فى محاولة لعدم وقف المساعدات والإمساك بخيوط الأمل المتهالكة والابتعاد عن «سلام المهزوم»، وما بين دهاء ترامب وضعف زيلينيسكى تبقى أوكرانيا فريسة ودرس لمن لا يعى معنى القوة فى زمن الاغتصاب «العلنى» دون حياء!
اقرأ أيضا
صبري حافظ يكتب لـ «30 يوم» : لصوص أمريكا الجدد!
صبري حافظ يكتب لـ «30 يوم» : الرجل الذي أبكى أوروبا!