الأديبة السورية هيام سلوم تكتب لـ «30 يوم» : سيدة العينين .. ملفات عالم مبحر !

العيون عالم لا يقدر أن يجوب بحاره ويغوص فيه الإ ذو فكر عظيم.
اعماق بحر ممتلىء الأسرار.
عالم قائم بحد ذاته يرى ويتكلم ، يشكي ويبكي يبدع ويسطع.
ألوان وانواع لا تحصى من العيون عين شاردة وآخرى غاردة.. عين قلقة وآخرى واثقة .
عين ناطرة وآخرى ناظرة.
عين تعد مصدر للالهام والغرام والفن والأدب والشعر والسياسة.
عين ثاقبة حد التميز كسلاح ماض في الميدان.
يحضرني حدث ينطبق على توصيف العين الثاقبة عندما سئل القائد الفرنسي الشهير نابليون بنوبارت عن سر انتصاراته الحربية قال 🙁 السرّ يكمن في عيوني التي ترى العدو خلف الأكمة ).
فاكتشاف الاخر بمختلف ما فيه يعد علماً متخصصاً بالكشف عن الاحصاء والإحاطة وقراءة المستقبل وتوظيف معلوماته المكتسبة من خلال العيون والتي تمثل مكامن الوعي الانساني التي لا يمكن أن تتم دون عيون .
العيون هي تحليل الأجزاء وتثبيت النتائج وقراءة المعلومات الجزيئية للوصول إلى الحقائق العامة الكبرى .. كما الطبيب لا يستطيع أن يقف على تشخيص العلة وإعطاء الدواء دون التحاليل .
العيون عالم جميل
تغزل به الشعراء وكتب عنه الأدباء قصصاً وحكايا ودواوين لاتنتهي كانت فيها العيون شاهدة على العصر في الأفراح والأتراح كتاب صفحاته مليئة بالدهشة.
وفي عصرنا الحالي بات للعيون مساحة واسعة الاهتمام في عالم الجمال والموضة فالعين السواء يمكن أن تصبح خضراء أو زرقاء في عالمنا العجيب المدهش .
تشبه عين الانسان عين الكاميرا وعدساتها العالية الدقة في التصوير والقادرة على التقاط الصور والمواقف والحركات والضحكات بل تحري حتى ما خلف الخلجات وقد استخدمت عين عدسات التصوير لأغراض سياسية .
ففي اشهر حادثة لطائرة التجسس الأمريكية التي كانت تحلق على ارتفاع 70000 قدم فوق الأراضي الروسية أيام الرئيس نيكيتا خرتشوف وكانت مجهزة بكاميرات عالية الدقة تستطيع التقاط صور شديدة النقاء لعناوين الصحف الروسية من ارتفاعات شاهقة .
هكذا كانت العيون وستبقى عبر محطات الزمن ومهما تطورت تقنيات العلم هي محور الادوار الرئيسة في تقديم رسالات متنوعة قد تكون غرامية أو أدبية أو سياسية .
من منا لم يسمع بزرقاء اليمامة التي يتحدثون عنها كمقدرة إعجازية بصرية ترى من بعيد .
الزرقاء كانت ثاقبة البصر ترى وتنبيء قومها عما يحيق بهم من مخاطر غزو الاعداء بمعنى انها كانت تقوم بدور رادارات عصر العولمة ..
مع ان الحكاية برمتها قد تكون سرد اووفعل مخابراتي لذلك الزمان .. الذي يغص فيه تاريخنا بالكثير من الرياء والدّس لأغراض سياسية توظف كل شيء خدمة لملفاتها بعيدا عن اي قداسة مزعومة .
كما نجلد اليوم بالكثير من خزعبلات المنظرين وتنبؤات ليلى عبد اللطيف التي سلطت عليهم الاضواء وخصصت لهم الامكانات والفضائيات والسوشل ميديا ليكونا مقدمة لتهيئة الراي العام المستهدف لاعمال ما تظهر جلية لاحقا.
وقد رأيت الكثير من خلال عيوني عن حالي وأحوالي وربما كنت محظوظة لان شرفات بيتي تطل على سواحل البحر حيث كلما أصبت بوعكة نفسية أو عصف ذهني ألتجأ الى ذلك الموج المتلاطم كدفق حياة تشيء بشيء وتفسير جديد لما يعتمل في النفس .
كانت عيناي ترمق اتساع الجمال وتقذف نظراتها صوب الافق البعيد خارج خارطة النظر العادية ، وذلك الاعجاز يتسلل الى أعماقي كنسيم بارد وعليل مطمئن وإن لم تدركه عيناي لكنه يمثل مقتطفاتها ومقتنياتها المتناثرة في متاهات الفكر وأعماق البحر .
كأن عيوني تتخذ قراراً يشكل لي طريق نجاة أهرب منه او التجأ اليه كلما امتلأ رأسي بضجيج الأخبار في عالم عربي محبط حد اليأس.. برغم مأساتنا الشرقية والعربية عبر التاريخ وما دنسنا من موجات غزو واحتلال ما زال مستمر باشكاله الناعمة والخشنة .. الا ان العيون لم تكل من النظر والحنين حد الالتصاق بذلك الشرق الوجودي والانتمائي بمعناه التكويني والاجتماعي الرحب الذي نعشقه كجهة لشروق الشمس اعانقها من على شرفة منزلي الريفي كل حين وسط بقعة من جمال الطبيعة الخلابة التي لا تفارقها رموش العيون وحدقاتها .
لطالما تأخذني عيناي نحو ذاك الجبل اتحرى اكتشاف ماورائه استشعر فرح يسري في عروقي يستل عزيمتي لأكتب عنه.
لكني كنت أصاب بدهشة وأتوغل في متاهات جماليات تأسرني من مقتطفات
هنا وهناك فلا أستطع ان أنقل مايعتمل في داخلي فالكلمات تقزم الاحساس الذي لا يكتب .
أختم ببيت من الشعر للشاعر العراقي بدر شاكر السياب:
عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَالسحر..
أو شُرفتان راحَ ينأى عنهما القَمر.