محمد شكر يكتب لـ «30 يوم» : مقصلة زيلينسكي في البيت الأبيض .. واستراتيجية ترامب لفك ارتباط روسيا بالصين

لأنه يرى أن ما ينجز بالقتال، يمكن إنجازه بصفقة أكثر ربحاً وأقل كلفة، يعتقد ترامب أنه يكتب تاريخاً جديدا للولايات المتحدة، بل للعالم الذي يراه باحة خلفية للمنتجع الأمريكي الكبير الذي امتلكه غرب الكرة الأرضية، فهو سيد البيت الأبيض الآن، ربان العالم الذي يدير مقدراته وثرواته بدفة الدولار، لا بقوة عسكرية لم تعد متحكمة بأقطاب الأرض، لكن على الولايات المتحدة التلويح بها الآن لإرضاء غرور ترامب، دون استخدامها حفاظاً على مصالح البلاد التجارية.
هي استراتيجية رجل الصفقات القوي، المقامر الذي يعلم بالضبط متى عليه أن ينسحب، ومتى عليه أن يُجهز على فريسته الضعيفة، والرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي كان الفريسة الجديدة، بعد أن دخل عرين ترامب بكامل إرادته، وأوصد جي دي فانس باب المكتب البيضاوي خلفه، ليدرك زيلينسكي أنه سيؤكل الآن، حتى لو حاول إظهار أنه لم يستسلم دون قتال، فهو شرف لن يمنحه ترامب لرجل لا يحترمه، فهو لا يحترم سوى الأقوياء ولو كانوا طغاة، ولعدة مرات وصف الرئيس الأوكراني وبلاده بالضعف وانعدام فرصها بدون الولايات المتحدة، لهذا لعب ترامب دور الجزار، ومثل دي فانس كلب الصيد الذي دفع بالشاه صوب مذبح المكتب البيضاوي، بعد أن نصب الرئيس الأمريكي مقصلة إعلامية، صلب عليها نظيره الأوكراني، ودق مسامير ميكروفونات الصحفيين في كفيه المرتجفين، قبل أن يكيل له ترامب ودي فانس اللكمات، في حلبة مصارعة إعلامية، لم يكن زيلينسكي قادرا على أن يتحملها أو يتفاداها بتحفز وارتجاف عكسته لغة جسده، وفي نهاية المباراة سقطت مقصلة ترامب على رأس زيلينسكي، لا لتفصل الرأس الخاوي عن جسدٍ بزي عسكري استعراضي، بل لتسقط مقصلة الرئيس الأمريكي عن هذه الرأس، تاج النضال والذود عن أوروبا ضد العدو الروسي.

هي صفقة غير رابحة بالنسبة لترامب، تلك التي يريدها زيلينسكي بطلب ضمانات أمنية، فبوتين الذي رفض ترامب الإساءة إليه علنا، حليف أكثر فائدة من الرئيس الأوكراني، الذي اصطدم بترامب خلال قضية هانتر بايدن، لهذا تعمد ترامب أن يستدعي القضية ويبرز سوءات سلفه جو بايدن، في اتهام ضمني لزيلينسكي بالفساد الذي صاحب قضية نجل بايدن، وطالت شظاياه الرئيس الأوكراني، بدفع من ترامب وحوكمة أوروبية تعيق مسار أوكرانيا نحو الاتحاد الأوروبي مع تسرب الأموال الأمريكية من بين يدي زيلينسكي، قبل أن يأتي ترامب إلى سدة الحكم، مستدعيا 350 مليار دولار قال أن الولايات المتحدة أنفقتها لدعم أوكرانيا، فزيلينسكي قد يمسك العصا من المنتصف رغم علمه بأن الاتحاد الأوروبي لن يسد فراغ الدعم الأمريكي السخي إبان إدارة بايدن، ففقده الدعم العسكري والاقتصادي الآن، يشير أيضاً لفقد أوكرانيا الغطاء السياسي الأمريكي في قادم الأيام، وهو ما يدركه زيلينسكي جيداً، لذلك خطب ود ترامب بعد طرده من البيت الأبيض عبر فوكس نيوز، ورفع رايته البيضاء في حواره للشبكة الأمريكية مغازلاً ترامب، الذي لوح بوقف الدعم وإجراءات عقابية، بينما زيلينسكي يبحث عن صيغة “غير مهينة” للاستسلام، بعد مشاورات مع الاتحاد الأوروبي المتداعي تحت وطأة تصعيد ترامب الاقتصادي والسياسي.
ولا شك أن صواريخ ترامب شبه اليومية التي يطلقها لإرهاب العالم، فقط ليقول أن سيد البيت الأبيض الجديد قد حضر، ويلهب اليمين الأمريكي بما يرون فيه إنجازاً لمشروع ترامب “أمريكا أولاً”، يؤكد أننا أمام رجل يجيد التلويح بالحرب خلال حديثه عن السلام، رغم أنه في الحقيقة لا يريد حربا تضعف تجارته أو تحمل سلعه رسوماً إضافية، أو حربا يمكن أن تضيع فرصته لإرضاء غروره بنيل جائزة نوبل للسلام، لهذا يستخدم ترامب سياسة الضغوط القصوى ضد أوروبا وقواعدها السياسية والاقتصادية، ويضغط لتمرير مخطط الممر التجاري الهندي، ويجتهد في سرقة ثروات أوكرانيا والسعودية تحت غطاء الاستثمار، لأنه يرى ضرورة ضبط العالم، وتحديد الولاءات والتحالفات القائمة على المصالح لا البعد الاستراتيجي، قبل أن يلقي كل هذا خلف ظهره، ليخوض المعركة الختامية في مواجهة التنين الصيني، فنحن أمام حرب كبرى، لا يمثل فيها زيلينسكي فيها أكثر من بيدق ضربة البداية، الذي كثيراً ما يؤكل في الحركات التالية، ورغم طرده من البيت الأبيض شر طرده، سيوقع زيلينسكي اتفاقية المعادن بتفاهمات أوروبية، رغم أنه لا يمتلك قدرة الوصول لمعادن ثمينة غدت تحت مخالب القيصر في الشرق الأوكراني.
هي نهاية دراماتيكية لممثل ردئ، دفع بشعبه إلى آتون حرب وكالة سخيفة أفقرت العالم، ودفعت بالتضخم لالتهام البسطاء إرضاء لنهم الدولار، مقابل دور هامشي على المسرح السياسي العالمي، والآن انتهى هذا الدور بتغيير اليد التي تمسك بخيوط زيلينسكي، ليعلن الرجل الجديد ملله من لعبة بايدن، ويمزق الدمية رديئة الصنع أمام أعين العالم، ليصبح الرئيس الأوكراني مجبراً على السلام أو الاستسلام مقابل لا شيء، فهي صفقة لن ينال فيها زيلينسكي سوى رقبته، التي يفتديها بنصف تريليون دولار من المعادن الثمينة، تمتص الولايات المتحدة 50% من أرباحها المليارية سنوياً دون تحمل أي أعباء، فترامب يشنق اقتصاد أوكرانيا باحتكار المعادن النادرة، ويقوي جبهته الصناعية في مواجهة موارد الصين الهائلة من المعادن النادرة، ما يؤكد على توجه قريب لخفض أسعار الفائدة، واستئناف سباق التصنيع والتنافس التجاري، بعد أن عرقلت الولايات المتحدة تقدم الصين بعقوبات ورسوم جمركية دون أن تحرك بكين ساكناً لعقد كامل، ورغم أن ما يجري مع أوكرانيا لن يصب في صالح الصين، إلا أنها ستصمت لعدم استعداء روسيا التي دعاها ترامب لتوقيع اتفاقية معادن مشابهة، مستغلاً سيطرة بوتين على الشرق الأوكراني الغني بالمعادن، لتمثل صفقة المعادن بشقيها الأوكراني والروسي، المعول الأول الذي يضرب جذور تحالف موسكو بكين الراسخ طوال حقبة بايدن، فترامب لا يمنح العطايا بلا مقابل لبوتين، بل يريد أن يقطع أذرع بكين واحدةً تلو الأخرى، قبل مواجهة قد تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة، كتلك التي اتهم زيلينسكي بإشعالها إذا ما استمر في القتال لتحرير أراضي بلاده، هي معركة قاسية تدمي كوكب الأرض لإبقاء الولايات المتحدة على قمة لم تعد تستحق شغلها، وإسقاط كل المنافسين والحلفاء على حد سواء إلى سفح العالم، ليحدق الجميع من هوة سحيقة في شعار حوله ترامب خلال أشهر معدودة، إلى بساط سحري يحلق به عالياً بفوقية تناسب مشروعه الأكثر عنصرية وشوفينية في التاريخ “أمريكا أولاً”.
موضوعات متعلقة
محمد شكر يكتب لـ «30 يوم» : عناد ترامب في مواجهة صمود السيسي .. شتاء عاصف للعلاقات المصرية الأمريكية