هنري كسينجر .. تفاصيل حياة مهندس عملية السلام بين مصر و إسرائيل
تقرير يكتبه – صبري حافظ :
جاء خبر وفاة هاينز ألفريد كيسنجر أو هنري كيسنجر ثعلب السياسة الأمريكية و أحد رموز السياسة والدبلوماسية و الفكر في النصف الثاني من القرن العشرين وبداية القرن الجديد عن عمر ناهز الـ 100 عام ليصعق محبيه ومريدي سياسته وفكره وتوجهاته السياسية والفلسفية .
كيسنجر توفي في منزله بولاية كونيتيكت الأمريكية ، كان وزيراً للخارجية في عهدي الرئيسين ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد وقام بدور محوري خلال الحرب الباردة و لعب دورًا بارزًا في السياسة الخارجية للولايات المتحدة بين عامي 1969 و1977.
مولد هنري كيسنجر و تعليمه
ولد اليهودي الألماني هنري كيسنجر في 27 مايو 1923 في فورث بـ بافاريا، وسافر مع أسرته في سن الخامسة عشرة إلى الولايات المتحدة قبل أن يصبح مواطنا أمريكيًا في سن العشرين.
دعاه الجمهوري ريتشارد نيكسون إلى البيت الأبيض في 1969 ليتولى منصب مستشار الأمن القومي، ثم وزير الخارجية، وشغل المنصبين معا من 1973 إلى 1975 و بقي سيد الدبلوماسية الأمريكية في عهد جيرالد فورد حتى 1977.
كان مهندسًا لعملية السلام بين مصر و إسرائيل وإنهاء الحرب عام 1973 رغم كانت له مقولة بعد نكسة 1967 في صالح إسرائيل بأن المهزوم لايفرض شروطه حيث كانت سياسته حماية إسرائيل كيهودي من أصل ألماني.
التحق نجل المُدرس بالاستخبارات العسكرية والجيش الأمريكي قبل أن يبدأ دراسته في جامعة هارفارد حيث كان طالبا لامعًا وعمل في التدريس أيضًا.
و استمر صاحب الدور الفعال حتى وفاته فاعلاً على الساحة السياسية الدولية ولم يثنه كبر سنه عن السفر ولقاء العديد من قادة العالم، وكان آخرهم الرئيس الصيني شي جينبينج الذي التقاه في يوليو المنصرم في الصين.
و كما تفرد في سياسته كوزير خارجية من العيار الثقيل كسياسي وحكيم وفيلسوف وغيّر الكثير من النظريات والحلول والازمات، تميز كأول وزير خارجية يتوفى بعد عمر مديد مائة عام.
كيسنجر أكاديمي وباحث ومفكر قبل أن يكون رجل دولة،وظّف كل مواهبه وجهوده لخدمة دولته وتمكينها وتعزيز مكانتها وقوتها وتأمين مستقبلها في ظل صراعاتٍ دوليةٍ طاحنةٍ ومشتعلة
نظريته الواقعية على حساب المثالية
كان مؤمنا بقوة بالنظرية الواقعية عن المثالية والحيادية كـ “قبلة سياسية ” وحلول لأزمات تصادفه كمسئول ورجل دولة صاحب رؤى وفكر مختلف.
جاء نجاحه وتفوقه لخلفية سياسية وتاريخية وثقافية، فهو بجانب خلفيته كرجل محنك وأكاديمي تخرج من أرقى الجامعات”هارفارد” امتزج أيضا بعقل ذكي ناقد ومحلل الأحداث وصاحب رؤية من خلال كتبه ونظرته للأحداث وتوصيفه للصراعات ورسمه للمخارج منها في سياساتٍ واستراتيجيات متكاملة كان يصوغها خلال لحظات سخونة الأحداث وتشابكها وتعقيدها .
ورغم أنّ أمريكا بقوتها العظمى وتربعها على العرش العالمي سياسيا واقتصاديا وعسكريا والتي أنجبت العمالقة بالفروع المختلفة خاصة أذكياء السياسة الأمريكية وصناعها أصحاب التفكير الاستراتيجي لم تعد تُنتج شخصياتٍ بنفس الصفات العظيمة والمكانة وطبيعة التفكير، والأيديولوجيات وإنّما فارزة لـ المتشددين على حساب الحكمة والعقل .
باتت قادة الدول في العالم عاجزة عن البحث عن العقول الفذّة الحكيمة لإدارة السياسة الخارجية وهي مشكلة لا تقتصر على أمريكا فقط ، فـ كيسنجر الذي قضى نحْبه اليوم عن مائة عام، اعترض على كسر روسيا في أوكرانيا أو إهانتها، بينما يدعو أمثاله المعاصرون للقضاء المبرم عليها ولو على حساب النظام الدولي، وهو يرى الحوار مع الصين هو الأفضل لأمريكا والعالم، بخلاف غيره.
كيسنجر عاش طويلاً، ورصد أحداثًا عدة، وكتب بإسهاب الكثير، صاغت فكره وشخصيته الظروف والأحداث المتتالية والصعبة كـ مستشاراً للأمن القومي الأميركي أو وزيراً للخارجية، ثم تهيأت له الظروف ليصبح أحد أهم رواة تلك الأحداث ، وبات مرجعًا لتحليلات السياسية والرؤي الفلسفية في مواجهة المشاكل السياسية والأمنية لدولته أو لدول العالم .
الساسة .. و عصر وسائل الاتصال الاجتماعي
من نظرياته التي آثارت جدلا وسجلها في كتبه أن عصرنا لا يمكن أن يفرز ساسة ورجال دولة بوزن تشرشل، أو برؤية روزفلت، أو بشجاعة ديجول.
فهو يرى أن عصر وسائل الاتصال الاجتماعي، لا مكان لأمثال هؤلاء الذين جمعوا بين الشجاعة والرؤية.
فعصر الإنترنت يركز علي الحقائق الجامدة، لا التصورات، أو المعلومات والتحليل الذاتي، لا المعرفة أو الحكمة، يُقدم آليات غير مسبوقة لحفظ المعلومات، ولكنه لا يساعد علي إدراك دلالتها والاستفادة من الصياغة والخلفية التاريخية والوصول للاستدلال والنتائج.
فهذا العصر من وجهة نظر كسينجر وبسبب الاتصال اللحظي، والشفافية المتزايدة، ووسائط التواصل الاجتماعي، يجعل القادة أسري لإرضاء الجمهور.. يجعل من الصعب علي الساسة اتخاذ قرارات تتحدي الإجماع الذي يتشكل لحظيًا من خلال الفضاء الإلكتروني، لذلك يختفي القائد الذي يستطيع اتخاذ قراره بمفرده، لتأثير النت والسوشيال على الأفكار والتحديات والتصدي لقراءة التاريخ والواقع .
فاحترافية السياسة الخارجية وقيادة الدول فقدت معناها في عصر تويتر والفيس بوك وغيرها من السوشيال ميديا.!
تفاوض على إنهاء حرب 6 أكتوبر .. وفاة عملاق الدبلوماسية الأميريكية هنري كيسنجر